نهيُ أُبَيّ عن عمله ، فإذا أبى ضربه لو جوّزناه له.
هذا ، وإنّ أعظم ما جاء به عثمان في أمر ابن مسعود ، إحراقه لمصحفه وسائر المصاحف ، كما رواه البخاريُّ (١) ؛ إذ لا شيء أعظم منه في الجرأة على الله ورسوله ، والاستخفاف بالكتاب العزيز ، والتمادي في الغيِّ.
فإنّه لو أراد ـ كما زعموا ـ تحصين القرآن وقطع الاختلاف فيه ، لاكتفى بمحو ما خالف المصحف الذي أمر بجمعه.
على أنّ الاختلاف الواقع إن كان في القراءات السبع ، فهو الذي طلبه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسب أخبارهم ، وأجابه الله سبحانه إليه وقال : «أيّما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا» ، كما رواه مسلم (٢).
فلا يجوز لعثمان المنع عنه ، فضلا عن إحراق ما اشتمل عليه!
وإنْ كان في غير السبع ، فقد كان الواجب على عثمان أن يخصّ المنع به ، ويجمع الناس على السبع لا على قراءة واحدة ، وهي قراءة أُبَيّ.
ولو رأيتَ ما ورد عندهم في قراءة ابن مسعود ، وأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأخذ القرآن منه (٣) ، لعرفتَ أنّ الحقّ مع ابن مسعود في الطعن على
__________________
(١) في باب جمع القرآن من كتاب الفضائل [٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦ ح ٩]. منه (قدس سره).
(٢) في فضائل القرآن ، في باب أنّ القرآن على سبعة أحرف [٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤]. منه (قدس سره).
(٣) انظر : صحيح البخاري ٥ / ١٠٣ ح ٢٤٧ وص ١١٧ ح ٢٩٤ وص ١١٨ ح ٢٩٦ ، صحيح مسلم ٧ / ١٤٨ ـ ١٤٩ ، سنن الترمذي ٥ / ٦٣٢ ح ٣٨١٠ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٩ ح ١٣٨ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٧١ ـ ٧٢ ح ٨٢٥٥ ـ ٨٢٦٠ ، مسند أحمد ١ / ٧ و ٢٦ و ٣٨ و ٤٤٥ و ٤٥٤ وج ٢ / ١٨٩ و ١٩٥ وج ٤ / ٢٧٩ ، المعجم