الثانية : إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن يرى هذا الرأي ، بإقرار الخصوم (١) ، فهل يمكن أن يترك هداية أبي ذرّ (رضي الله عنه) إلى حكم الله ورسوله حتّى يقع في ما وقع فيه؟!
أو يمكن أن يكون أبو ذرّ لا يسمع من أمير المؤمنين (عليه السلام) هدايتَه وتعليمَه ، وهو أشدّ الناس اتّباعاً له ، وأعرفهم بمنزلته؟!
الثالثة : إنّ الغنى لم يحدث في الناس أيّام عثمان ، بل كان من أيّام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتضاعف في أيّام أبي بكر ، وفاضت الأموال في أيّام عمر (٢) ، ولم تصدر من أبي ذرّ ـ في وقت ـ إشارةٌ إلى تلك الفتوى التي نسبوها إليه (٣).
فهل كان مدّخراً لها إلى أيام عثمان ، فرواها لنا العاذرون لعثمان ومعاوية؟!
تالله ليس الأمر كذلك ، ولكنّ أبا ذرّ رأى نهمة بني أُميّة في مال الله ، فجعل يتلو تلك الآية الكريمة في الطرقات ، إنكاراً على جعلهم مال الله وفيء المسلمين كنوزاً لهم ، ودولةً بين الأغنياء والجبابرة.
فكانت ثورته عليهم ، لا على الأغنياء ، كما هو واضحٌ لمن أنصف.
الرابعة : إنّ السنة وجّهوا الخلاف بين أبي ذرّ وغيره ـ كما ذكره الخصم ـ بالنسخ وعدمه ، فزعموا أنّ أبا ذرّ لا يرى آية تحريم الكنز منسوخة بالزكاة ، وأنّ غيره يرى أنّها منسوخهٌ بها.
__________________
(١) انظر : الحاوي الكبير ٤ / ٢٥٨ و ٢٦٦.
(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ٢١٣ ـ ٢١٤.
(٣) راجع ما قرّره الفضل انفاً في الصفحة ٥١٠.