طهّرهم ... (١) ـ مرتكبين ما لا يجوز» ..
فنقول : أهلُ البيت ـ على هذا التقدير ـ كانوا مدّعين لحقّهم ، والإمام يُفرض عليه أن يعامل الناس بالأحكام الشرعيّة ، ولو أنّ ملَكاً من الملائكة يدّعي حقاً له ـ مع وجوب عصمته ، وتيقّن صدقه ـ فليس للإمام أن يقول : هو صادق ولا يحتاج إلى البيّنة لعصمته من الكذب ؛ بل الواجب عليه أن يطلب الحجة في قوله.
أمَا سمعت أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ادّعى على يهودي عند شريح القاضي ، فطلب منه الحجّة ، فأتى بالحسن بن عليّ ، فما قبل شهادته وقال : إنّه فرع ؛ فقال أمير المؤمنين : لستَ أهلا للقضاء! ألا تعلم أنّ هذه الدعوى لحق بيت المال ، وها هنا تُسمع شهادة الفرع؟! (٢).
والغرض : أنّ الإمام والقاضي يجب عليهما مراعاة ظاهر الشرع ، وهو أن لا يسمع قول المدّعي إلاّ بالحجّة وإن تحقّق عصمته عن الكذب ، فلو تمّ حجةٌ حكَم ، وإلاّ توقف.
ولو صحّ قصة مرافعة فدك ، فأبو بكر عمل فيه ما كان يجب عليه من طلب الحجة من المدّعي ، وإن اعتقد عصمته من الكذب.
وأمّا ما ذكر أنّ الحسنين شهدا لها ولم يسمع أبو بكر ، فإنْ صحّ فربّما كان لصغرهما ، ولعدم سماع شهادة الفرع كما فعل شريح ، وهذا لا طعن فيه كما ذكرنا ؛ لأنّه مراع لقواعد الشرع ، وشريح حكم بطلب
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : (إنّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ، سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.
(٢) انظر : أخبار القضاة ـ لوكيع ـ ٢ / ١٩٤ و ٢٠٠ ، حلية الأولياء ٤ / ١٣٩ ـ ١٤٠ ، تاريخ دمشق ٢٣ / ٢٦ ترجمة شريح ، مختصر تاريخ دمشق ١٠ / ٢٩٧.