فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيّئة قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة فيحول بينك وبين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك
يا بنىّ ، أكثر من ذكر الموت ، وذكر ما تهجم عليه ، وتفضى بعد الموت إليه ، حتّى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (١) وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك (٢)! وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها (٣) وتكالبهم عليها ، فقد نبّأ اللّه عنها ، ونعت لك نفسها (٤) ، وتكشّفت لك عن مساويها ، فإنّما أهلها كلاب عاوية ، وسباع ضارية ، يهرّ بعضها بعضا (٥) ويأكل عزيزها ذليلها ، ويقهر كبيرها صغيرها ، نعم معقّلة (٦) وأخرى مهملة قد أضلّت عقولها (٧) وركبت مجهولها ، سروح عاهة (٨) بواد وعث! ليس
__________________
(١) الحذر ـ بالكسر ـ الاحتراز والاحتراس ، والأزر ـ بالفتح ـ
(٢) بهر ـ كمنع ـ غلب ، أى : يغلبك على أمرك
(٣) إخلاد أهل الدنيا : سكونهم إليها ، والتكالب : التواثب
(٤) نعاه : أخبر بموته ، والدنيا تخبر بحالها عن فنائها
(٥) ضارية : مولعه بالافتراس ، يهر ـ بكسر الهاء ، وضمها ـ أى : يمقت ويكره بعضها بعضا
(٦) عقل البعير ـ بالتشديد ـ شد وظيفه إلى ذراعه ، والنعم ـ بالتحريك ـ الابل ، أى : إبل منعها عن الشر عقالها : وهم الضعفاء ، وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء ، وهم الأقوياء.
(٧) أضلت : أضاعت عقولها وركبت طريقها المجهول لها
(٨) السروح ـ بالضم ـ جمع سرح ـ بفتح فسكون ـ وهو المال السائم