جرّ إلى حرب (١) ، فليس كلّ طالب بمرزوق ، ولا كلّ مجمل بمحروم ، وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرّغائب ، فانّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا (٢) ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حرّا ، وما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ (٣) ويسر لا ينال إلاّ بعسر؟! (٤) وإيّاك أن توجف بك مطايا الطّمع (٥) فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين اللّه ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك ، وآخذ سهمك! وإنّ اليسير من اللّه ـ سبحانه ـ أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كلّ منه. وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك (٦)
__________________
(١) الحرب ـ بالتحريك ـ : سلب المال
(٢) إن رغائب المال إنما تطلب لصون النفس عن الابتذال فلو بذل باذل نفسه لتحصيل المال فقد ضيع ما هو المقصود من المال ، فكان جمع المال عبثا عوضا لما ضيع
(٣) يريد أى خير فى شىء سماه الناس خيرا وهو مما لا يناله الانسان إلا بالشر ، فان كان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا
(٤) إن العسر الذى يخشاه الانسان هو ما يضطره لرذيل الفعال ، فهو يسعى كل جهده ليتحامى الوقوع فيه ، فان جعل الرذائل وسيلة لكسب اليسر ـ أى : السعة ـ فقد وقع أول الأمر فيما يهرب منه ، فما الفائدة فى يسره وهو لا يحميه من النقيصة؟
(٥) توجف : تسرع ، والمناهل : ما ترده الابل ونحوها للشرب
(٦) التلافى : التدارك لاصلاح ما فسد او كاد ، و «ما فرط» أى : قصر عن إفادة