.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا بناء على اختصاص الأحكام بالمسلمين وعدم تكليف الكافر بها كما قويناه فلا مجال لهذا الاختلاف كما هو واضح.
ثمّ إنه لو قلنا بتكليف الكافر بالفروع كما عليه المشهور فقد يقال بعدم انعقاد النذر من الكافر ، لاعتبار التقرب في النذر لأنه بنفسه قربي وعبادي ، ولا تتحقق القربة من الكافر. وفيه : أنه لا دليل على كون النذر قربياً ، بل يظهر من بعض الروايات أنه مكروه لقوله (عليه السلام) في جواب من جعل على نفسه شكراً لله ركعتين : «إني لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه» (١) ، ولو قلنا بحمل الرواية على الإرشاد وأن المكلف لا يكلف نفسه أزيد مما كلفه الله تعالى يستفاد منها كون النذر مباحاً وغير راجح. وبالجملة : لا دليل على كون النذر أمراً عباديا قربياً نظير الصلاة والصيام ونحوهما من الأفعال العبادية ، وإذا لم يكن عباديا فلا مانع من صدوره من الكافر.
وأما متعلقه فلا دليل أيضاً على كونه قربياً وإنما غاية ما يستفاد من الأدلة أن يكون متعلقه صالحاً لذلك وقابلاً للإضافة إليه تعالى ، ولا يستفاد منها أن يكون عباديا حين العمل بحيث لا يتحقق العمل به إلّا بقصد العبادة ، بل المستفاد منها قابلية الفعل للإضافة إليه تعالى وراجحاً في نفسه كإعطاء الدرهم إلى الفقير ، فإنه يمكن إيقاعه على وجه العبادة بأن يعطيه قربة
إلى الله تعالى ويمكن أن يقع لا على وجه القربة ، فلو أعطى الدرهم للفقير ولم يقصد به القربة فقد وفى بنذره لأنّ الأمر بالوفاء توصلي. نعم ، قد يتعلّق النذر بالأمر العبادي كما قد يتّفق في اليمين ويتعذر صدوره من الكافر لعدم تحقق القربة منه ، ولكن المعتبر هو إمكان صدوره منه حين العمل لا حين النذر ، فلو نذر الكافر أمراً عباديا يجب عليه الإتيان ، لأنه عند ما كان كافراً وإن لم يكن متمكِّناً من الإتيان ولكن يتمكن منه حين العمل وفي ظرفه لتمكّنه من الإسلام ، فيكون العمل المنذور مقدوراً له غاية الأمر بواسطة التمكّن من الإسلام والمقدور بالواسطة مقدور ، وإن أسلم صحّ إن أتى به ويجب عليه الكفّارة لو خالف
__________________
(١) الوسائل ٢٣ : ٣٠٣ كتاب النذر ب ٦ ح ١.