.................................................................................................
______________________________________________________
ويردّه : أنّا قد ذكرنا في بحث النجاسات (١) أنّ الميزان في الكفر والإسلام أُمور ثلاثة : الشهادة بالوحدانية والشهادة بالرسالة والاعتقاد بالمعاد ، فمن اعترف بهذه الأُمور الثلاثة يحكم عليه بالإسلام ، ويترتّب عليه آثاره من المواريث ، وحرمة دمه وماله ، وحلِّيّة ذبائحه ولزوم تجهيزه من الغسل والكفن والدفن وغير ذلك من الأحكام ومن أنكر أحد هذه الأُمور فهو كافر ، وليس إنكار الضروري من جملتها إلّا إذا رجع إلى تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، فإنكار الضروري بنفسه ومستقلّاً لا يوجب الكفر ما لم يستلزم تكذيب الرسالة ، كما إذا كان الشخص غير عارف بأحكام الإسلام ولم يكن ملتفتاً إلى أن إنكاره يستلزم إنكار النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فأنكر ضرورياً من ضروريات الدِّين ، فإنّ مجرّد ذلك لا يوجب الكفر.
وقد يستدل على كفر منكر الحجّ بما يستفاد من ذيل آية الحجّ من قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٢) بدعوى أنّ من أنكر وجوب الحجّ كان كمن كفر ، فإنّ التعبير عن الترك بالكفر يدلّ على أن منكره كافر (٣).
وفيه : أن الظاهر من قوله تعالى (وَمَنْ كَفَرَ) أنّ من كفر بأسبابه وكان كفره منشأ لترك الحجّ فإن الله غني عن العالمين ، لا أنّ إنكار الحجّ يوجب الكفر ، فإنّ الذي يكفر يترك الحجّ طبعاً لأنّه لا يعتقد به ، ونظير ذلك قوله تعالى (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (٤) فإنّ عدم صلاتهم وعدم إيتائهم الزكاة لأجل كفرهم وتكذيبهم يوم
__________________
(١) في شرح العروة ٣ : ٥٣.
(٢) آل عمران ٣ : ٩٧.
(٣) ولعلّ المراد بالكفر هنا معناه اللغوي وهو عدم التصديق وعدم الاعتراف بالشيء ، فالمعنى أن من لم يعترف بالحجّ ويتركه بالطبع فان الله غني عن العالمين ، لأنّ ترك الحجّ لا يضرّ الله شيئاً كما هو الحال في سائر الواجبات الإلهية والعبادات ، فليس المراد بالكفر المعنى المصطلح المقابل للإيمان بالله تعالى حتى يتوهّم دلالة الآية على كفر منكر الحجّ.
(٤) المدثر ٧٤ : ٤٢ ٤٦.