الجيش فعبر من الجسر بشوكة ومهابة. مر من وسط المدينة إلى باب الأعظمية ثم نصب خيامه في الباب الشرقي (قراكوقپو) ، وضرب الوزير سرادقاته هناك وبات ليلة فيها. وفي اليوم التالي عزم على التنكيل بالثائرين ، فنهض نحو ديالى وكذا جاء المدد من محمود باشا متصرف لواء بابان وكوى وحرير نحو خمسمائة فارس تحت قيادة ولده الأكبر عثمان بك فانضم بمن معه إلى الجيش. وحينئذ عبر الجسر إلى الجانب الآخر من ديالى وقرر استئصال أهل البغي. وهؤلاء لم يبالوا بقوة الجيش فرتب كل فريق صفوفه واشتعلت نيران الحرب بينهما. فتبين النصر في جانب الوزير على عدوه. وفي هذه المعركة قتل أحمد آغا ابن محمد خليل وغيره من عمدة رجالهم. وفرت البقية الباقية مشتتة. أما محمد الكهية فقد انهزم إلى إيران مع بعض الخيالة ممن كانوا معه وتركوا اثقالهم وسائر أموالهم فصارت غنائم.
وفي كل هذه الحرب لم يكن مع الوزير أكثر من أربعة آلاف فارس ضمنهم أهل دائرته والعثمانيون والعشائر التي تلاحقت وفرسان الأكراد في حين أن مناوئيه كانوا يبلغون العشرة آلاف محارب. وبعد هذا الانتصار أكرم الوزير من كان معه على مراتبهم لما قاموا به من خدمات. ولما أبدوه من شجاعة شاكرا سعيهم وإخلاصهم لا سيما ما رآه من عثمان بك من الشجاعة فأنعم عليه برتبة باشا.
ثم إن الوزير بقي في تلك الأنحاء مدة شهر نظم في خلالها القرى والنواحي ونسق مصالحها لما نالها من التخريب وما أصابها من الدمار والتشوش ووجه أنظاره إلى الإصلاح. وكذا اهتم بأمر العشائر فأخاف بعضها وأنب الأخرى وهكذا راعى مقتضيات السياسة واتخذ الإدارة القويمة في تدبير الأمور فصار الكل منقادين له (١).
__________________
(١) دوحة الوزراء ص ١٨٥.