الحديث بأن النبى محمدا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أراد بالفصيح بنى آدم ، وبالأعجم البهائم. (١)
ولا تخرج لفظة «الفصاحة» فى القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف عن معناها اللغوى وهو الظهور والبيان. وحينما دخلت هذه اللفظة الدراسات البلاغية والنقدية ارتبطت بلفظة البلاغة وصارت صنوها ، وأصبح رجال البلاغة الأوائل لا يفرقون بينهما ، بل لم يروا بأسا من أن يستعملوا إحداهما مكان الأخرى كما فعل أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ه) الذى لم يضع حدّا فاصلا بين اللفظتين وإنما أجراهما بمعنى واحد فى مواضع كثيرة من كتابه «البيان والتبيين».
الجاحظ :
عرف الجاحظ البلاغة بقوله : «وقال بعضهم ـ وهو أحسن ما اجتبيناه ودوناه ـ : لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ، ولفظه معناه ، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك» (٢).
وفى هذا التعريف التقاء الفصاحة بالبلاغة ، والنص على امتزاجهما.
والفصاحة ـ عنده ـ واسعة المعنى ، ولذلك نراه يتحدث عنها وعن الألفاظ كثيرا ، وتعتبر إشاراته فى كتابه «البيان والتبيين» من أوسع ما وصل إلينا من عهد التدوين الأول. ويرى أنّ الألفاظ جديرة بالرعاية والاهتمام ، يقول : «وقد يستخف الناس ألفاظا ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها ، ألا ترى أنّ الله تبارك وتعالى لم يذكر فى القرآن الجوع إلّا فى موضع العقاب أو فى موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر. والناس لا يذكرون السّغب ويذكرون الجوع فى حال القدرة والسلامة ، وكذلك ذكر المطر ، لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلّا فى موضع الانتقام. والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون
__________________
(١) النهاية فى غريب الحديث والأثر ، ج ٣ ، ص ٤٥٠.
(٢) البيان والتبيين ، ج ١ ص ١١٥.