ومنه قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(١) ، وإنما قيل (وَحَشَرْناهُمْ) ماضيا بعد «نسير» و «ترى» وهما مستقبلان للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليشاهدوا تلك الأحوال كأنه قال : وحشرناهم قبل ذلك لأنّ الحشر هو المهم ومن أجل ذلك ذكر بلفظ الماضى.
ومما يجرى هذا المجرى الإخبار باسم المفعول عن الفعل المستقبل وإنما يفعل ذلك لتضمنه معنى الفعل الماضى ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)(٢) ، فانه إنما آثر اسم المفعول الذى هو «مجموع» على الفعل المستقبل الذى هو «يجمع» لما فيه من الدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه الموصوف بهذه الصفة.
ولم يدخل الزركشى الأنواع الأربعة الأخيرة فى الالتفات وإنما بحثها فى مبحث خاص وقال إنّها تقرب من الالتفات ، فى حين عدّها ابن الأثير النوع الثانى والنوع الثالث من أقسامه الثلاثة (٣).
أساليب أخرى :
وهناك أساليب أخرى من إتيان الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، وكل منها يصلح أن يكون من أبواب المعانى إذا اعتبرت فيه نكتة لطيفة.
وكان الخطيب القزوينى قد أهملها ونبه إليها السبكى (٤) ، وأشار إلى بعضها الزركشى وقال عنها إنّها تقرب من الالتفات (٥).
__________________
(١) الكهف ٤٧.
(٢) هود ١٠٣.
(٣) ينظر المثل السائر ج ٢ ص ٤ ـ ١٩ ، والجامع الكبير ص ٩٦ وما بعدها ، والبرهان فى علوم القرآن ج ٣ ص ٣١٤ ـ ٣٣٧.
(٤) عروس الأفراح ـ شروح التلخيص ج ١ ص ٤٩١ ـ ٤٩٢.
(٥) البرهان فى علوم القرآن ج ٣ ص ٢٣٤.