ونظر ابن الأثير إلى هذا الأسلوب نظرة أعمق وقال عنه : «وهذا النوع وما يليه هو خلاصة علم البيان التى حولها يدندن وإليها تستند البلاغة وعنها يعنعن. وحقيقته مأخوذة من التفات الإنسان عن يمينه وشماله فهو يقبل بوجهه تارة كذا وتارة كذا ، وكذلك يكون هذا النوع من الكلام خاصة لأنه ينتقل فيه من صيغة كالانتقال من خطاب حاضر إلى غائب ، أو من خطاب غائب إلى حاضر ، أو من فعل ماض إلى مستقبل ، أو من مستقبل إلى ماض ، أو غير ذلك. ويسمى أيضا «شجاعة العربية» ، وإنما سمى بذلك لأن الشجاعة هى الإقدام ، وذاك أنّ الرجل الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره ويتورد ما لا يتورده سواه ، وكذا هذا الالتفات فى الكلام فان اللغة العربية تختص به دون غيرها من اللغات» (١).
وقسمه إلى ثلاثة أقسام :
الأول : الرجوع من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة.
الثانى : الرجوع من الفعل المستقبل إلى فعل الأمر ومن الفعل الماضى إلى فعل الأمر.
الثالث : الإخبار عن الفعل الماضى بالمستقبل وعن المستقبل بالماضى.
وأحسن ما فى بحثه الأمثلة الكثيرة التى وشح بها كلامه ، وردّه رأى الزمخشرى ومن تابعه فى فائدة أسلوب الالتفات. وقد وضح ابن الأثير رأيه بقوله : «وقال الزمخشرى ـ رحمهالله ـ إنّ الرجوع من الغيبة إلى الخطاب إنّما يستعمل للتفنن فى الكلام والانتقال من أسلوب إلى أسلوب تطرية لنشاط السامع وإيقاظا للاصغاء إليه. وليس الأمر كما ذكره ، لأنّ الانتقال فى الكلام من أسلوب إلى أسلوب إن لم يكن إلّا تطرية لنشاط السامع وإيقاظا للاصغاء إليه ، فان ذلك دليل على أنّ السامع يمل من أسلوب واحد فينتقل إلى غيره ليجد نشاطا للاستماع ، وهذا قدح فى الكلام لا وصف له ، لأنه لو
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٤ ، وينظر الجامع الكبير ص ٩٨.