الفصل الخامس
الايجاز والاطناب
الايجاز والإطناب والمساواة من الأساليب التى لا تتضح كثيرا إلّا بالحديث عن أنواعها وعرض أمثلتها ، لأنّ الاتفاق على مقياس يلجأ إليه الدارسون من الأمور الصعبة. وكان السكاكى قد ذهب إلى أنّ الذى يحدد هذه الأساليب هو العرف وقد سماه «متعارف الأوساط» ، يقول : «أمّا الإيجاز والإطناب فلكونهما نسبيين لا يتيسر الكلام فيهما إلّا بترك التحقيق والبناء على شىء عرفى مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم فى التأدية للمعانى فيما بينهم. ولا بدّ من الاعتراف بذلك مقيسا عليه ولنسمّه «متعارف الأوساط» وأنه فى باب البلاغة لا يحمد ولا يذم» (١) ، ولذلك كان الإيجاز أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط ، وكان الإطناب أداءه بأكثر من عباراتهم ، سواء كانت القلة أو الكثرة راجعة إلى الجمل أو إلى غير الجمل.
ولكن الخطيب القزوينى رأى الاتفاق على متعارف الأوساط صعبا ، ووجد أنّ بناء التعريف عليه أصعب ، والأقرب أن يقال : «المقبول من طرق التعبير عن المعنى هو تأدية أصل المراد بلفظ مساو له أو ناقص عنه واف ، أو زائد عليه لفائدة» (٢). وهذا التعريف لا يكون دقيقا إن لم تعرض أساليب الإيجاز والإطناب ليبنى عليها أسلوب المساواة ويحدد بدقة ووضوح ، ولذلك قال إنّ المساواة «أن يكون اللفظ بمقدار أصل المراد لا ناقصا عنه بحذف أو غيره ، ولا زائدا عليه بنحو تكريم أو تتميم أو
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ١٣٣.
(٢) الإيضاح ص ١١٧.