وثانيهما : ما دل لفظه على محتملات متعددة ، ولا يمكن التعبير عنه بمثل ألفاظه وفى عدتها ، بل يستحيل ذلك وهو أعلى طبقات الإيجاز مكانا ، ومنه قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) الذى فاق كل كلام وفضل غيره من كلام العرب.
الثانى : إيجاز الحذف : وهو ما يكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعين المحذوف. أو هو كما قال ابن الأثير : «ما يحذف منه المفرد والجملة لدلالة فحوى الكلام على المحذوف ، ولا يكون إلّا فيما زاد معناه على لفظه» (١). وقال عن هذا الأسلوب : «أما الإيجاز بالحذف فانه عجيب الأمر شبيه بالسحر ، وذاك أنّك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق ، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبيّن ، وهذه جملة تنكرها حتى تخبر وتدفعها حتى تنظر. والأصل فى المحذوفات جميعا على اختلاف ضروبها أن يكون فى الكلام ما يدل على المحذوف ، فان لم يكن هناك دليل على المحذوف فانه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب. ومن شرط المحذوف فى حكم البلاغة أنّه متى أظهر صار الكلام إلى شىء غث لا يناسب ما كان عليه أولا من الطلاوة والحسن» (٢).
أدلة الحذف :
أدلة الحذف كثيرة منها :
١ ـ أن يدل العقل على الحذف ، والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف ، كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)(٣) ، فانّ العقل يدل على الحذف ، والمقصود الأظهر يرشد إلى أنّ التقدير : حرّم عليكم تناول الميتة والدم ولحم الخنزير ، لأنّ الغرض الأظهر منها تناولها.
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٧٨.
(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٨٢.
(٣) المائدة ٣.