وهذه المعانى ثابتة معروفة عقلا ، ولذلك لا يقع فيها تفاوت أو تفنن فى التعبير.
وتقديم الشىء على وجهين :
الأول : تقديم على نية التأخير ، وذلك فى كل شىء أقر مع التقديم على حكمه الذى كان عليه وفى جنسه الذى كان فيه ، كخبر المبتدأ إذا قدّم على المبتدأ ، والمفعول إذا قدم على الفاعل. والتقديم لا يخرج الخبر أو المفعول عما كانا عليه قبل التقديم.
الثانى : تقديم لا على نية التأخير ، ولكن على أن ينقل الشىء عن حكم إلى حكم ويجعل بابا غير بابه وإعرابه غير إعرابه ، وذلك أن يعمد إلى اسمين يحتمل كل واحد منهما أن يكون مبتدأ ويكون الآخر خبرا له فيقدم هذا تارة على ذاك وأخرى ذاك على هذا. ومثاله : «زيد المنطلق» و «المنطلق زيد» فالتقديم والتأخير يؤثران فى معنى الجملة ، لأنّ ما يقدم هو المبتدأ أو المسند إليه وما يؤخر هو الخبر أو المسند ، وكذلك «ضربت محمدا» و «محمد ضربته» فـ «محمد» فى الجملة الأولى مفعول به ، وفى الثانية «مبتدأ». وهذا يختلف عن النوع الأول الذى لا يتغير فيه حكم المتقدم أو المتأخر ، ففى «منطلق زيد» و «زيد منطلق» ظل «زيد» مسندا إليه و «منطلق» مسندا ، وفى «ضرب زيد عمرا» و «ضرب عمرا زيد» بقى «زيد» مسندا إليه ـ فاعلا ـ و «عمرو» مفعولا به. (١)
وباب التقديم والتأخير واسع لأنّه يشمل كثيرا من أجزاء الكلام ، فالمسند إليه يقدم لأغراض بلاغية منها :
١ ـ أنّه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه كتقديم الفاعل على المفعول ، والمبتدأ على الخبر ، وصاحب الحال عليها.
__________________
(١) ينظر تفصيل ذلك فى دلائل الإعجاز ص ٨٣ وما بعدها.