العلمية والبديهيات التى لا يشك فيها ، لا يمكن أن تحتمل الكذب مع أنّها إخبار عن شىء ، ولذلك تخرج من هذا التعريف ، أما غيرها من الأخبار فهى قابلة للتصديق والتكذيب من أى إنسان صدرت ؛ لأنّها ينظر إليها لذاتها لا لذات القائلين.
أضربه :
للجملة الخبرية معنى يحدده تركيبها ، فاذا أطلقت خالية من أى تأكيد كانت لها دلالة ، وإذا أكدت بمؤكد واحد أو أكثر كانت لها دلالة أخرى. وقد انتبه العرب إلى ذلك فى إطلاقهم الخبر ، وأشار عبد القاهر إلى هذه الاختلافات فقال : «واعلم أنّ مما أغمض الطريق إلى معرفة ما نحن بصدده أنّ ههنا فروقا خفية تجهلها العامة وكثير من الخاصة ، ليس أنّهم يجهلونها فى موضع ويعرفونها فى آخر ، بل لا يدرون أنّها هى ولا يعلمونها فى جملة ولا تفصيل. روى ابن الأنبارى أنّه قال : ركب الكندى المتفلسف إلى أبى العباس (١) وقال له : إنّى لأجد فى كلام العرب حشوا. فقال له أبو العباس : فى أى موضع وجدت ذلك؟ فقال : أجد العرب يقولون : «عبد الله قائم» ثم يقولون : «إنّ عبد الله قائم» ثم يقولون : «إنّ عبد الله لقائم» فالألفاظ متكررة والمعنى واحد. فقال أبو العباس : بل المعانى مختلفة لاختلاف الألفاظ. فقولهم : «عبد الله قائم» إخبار عن قيامه ، وقولهم : «إنّ عبد الله قائم» جواب عن سؤال سائل ، وقولهم : «إنّ عبد الله لقائم» جواب عن إنكار منكر قيامه. فقد تكررت الألفاظ لتكرر المعانى. قال : فما أحار المتفلسف جوابا. وإذا كان الكندى يذهب هذا عليه حتى يركب فيه ركوب مستفهم أو معترض فما ظنك بالعامة ومن هو فى عداد العامة ممن لا يخطر شبه هذا بباله» (٢).
__________________
(١) يريد به المبرد.
(٢) دلائل الإعجاز ص ٢٤٢.