ولم يأخذ السكاكى برأى عبد القاهر مع أنّه اعتمد على كتابيه وجرّدهما من النزعة الأدبية وأحالهما هيا كل بتقسيماته المنطقية.
والعجيب أنّ الخطيب القزوينى وسعد الدين التفتازانى وغيرهما من الشراح تابعوا السكاكى فى هذا التقسيم مع أنّهم ذكروا أنّ الموضوعات التى بحثت فى الخبر تدخل الطلب أيضا. يقول القزوينى بعد أن ذكر أحوال المسند : «كثير مما ذكر فى هذا الباب والذى قبله غير مختص بهما كالذكر والحذف وغيرهما. والفطن إذا أتقن اعتبار ذلك فيهما لا يخفى عليه اعتباره فى غيرهما» (١). وأعاد هذا القول فى كتابه «الإيضاح» بعد أن ذكر أحوال الإسناد والمسند إليه والمسند وأحوال متعلقات الفعل والقصر ، وقال : «ما ذكرناه فى هذه الأبواب الخمسة السابقة ليس كله مختصا بالخبر بل كثير منه حكم الإنشاء فيه حكم الخبر ، يظهر ذلك بأدنى تأمل» (٢). وقال التفتازانى : «إنّ الإسناد الإنشائى أيضا إمّا مؤكد أو مجرد عن التأكيد ، وكذا المسند إليه إمّا مذكور أو محذوف مقدم أو مؤخر ، معرف أو منكر ، إلى غير ذلك ، وكذلك المسند اسم أو فعل ، مطلق أو مقيد بمفعول أو بشرط أو بغيره. والمتعلقات إما متقدمة أو متأخرة ، مذكورة أو محذوفة ، وإسناده وتعلقه أيضا إما بقصر أو بغير قصر. والاعتبارات المناسبة فى ذلك مثل ما مر فى الخبر ولا يخفى عليك اعتباره بعد الإحاطة بما سبق» (٣).
ولكنّ البلاغيين سحروا بمنهج السكاكى وساروا عليه من غير أن يحاولوا إصلاحه إلا ما صدر عنهم من ملاحظات لا تبعد البلاغة عن جوهره كثيرا. ونرى ـ إذا ما أردنا أن نعيد ترتيب مباحث علم المعانى فى كتاب «مفتاح العلوم» ـ أن يبحث الخبر والإنشاء فى باب مستقل وتذكر أنواعهما وأساليبهما ، ثم تبحث الجملة فى باب آخر يجمع أجزاءها ويكون للتقديم والتأخير فصل ، وللذكر والحذف فصل ثان ، وللتنكير والتعريف فصل
__________________
(١) التلخيص ص ١٢٥.
(٢) الإيضاح ص ١٠١.
(٣) المطول ص ٢٤٦.