ولا على تلك الأوصاف التى ذكرنا فإن الواو تقلب ياء وتدغم الياء فى الياء. فهذه علّة من علل قلب الواو ياء. فأمّا ألا تعتلّ الواو إذا اجتمعت مع الياء ساكنة أولاهما إلا من هذا الوجه فلم نقل به. وكيف يمكن أن نقول به وقد قدّمنا أن الحكم الواحد قد يكون معلولا بعلّتين وأكثر من ذلك ، وتضمّنّا أن نفرد لهذا الفصل بابا!
فإن قلت : ألسنا إذا رافعناك فى صحّة «حيوة» إنما نفزع إلى أن نقول : إنما صحّت لكونها علما ، والأعلام تأتى كثيرا أحكامها تخالف أحكام الأجناس ، وأنت تروم فى اعتلالك هذا الثانى أن تسوّى بين أحكامهما ، وتطرد على سمت واحد كلا منهما.
قيل : الجواب الأوّل قد استمرّ ، ولم تعرض له ، ولا سوّغتك الحال الطعن فيه ، وإنما هذا الاعتراض على الجواب الثانى. والخطب فيه أيسر. وذلك أنّ لنا مذهبا سنوضّحه فى باب يلى هذا ؛ وهو حديث الفرق بين علّة الجواز وعلّة الوجوب.
ومن ذلك أن يقال لك : ما علّة قلب واو سوط ، وثوب ، إذا كسّرت فقلت : ثياب ، وسياط؟.
وهذا حكم لا بدّ فى تعليله من جمع خمسة أغراض ، فإن نقصت واحدا فسد الجواب ، وتوجه عليه الإلزام.
والخمسة : أنّ ثيابا ، وسياطا ، وحياضا ، وبابه جمع ، والجمع أثقل من الواحد ، وأنّ عين واحده ضعيفة بالسكون ، وقد يراعى فى الجمع حكم الواحد ، وأنّ قبل عينه كسرة ، وهى مجلبة فى كثير من الأمر لقلب الواو ياء ، وأنّ بعدها ألفا ، والألف شبيهة بالياء ، وأنّ لام سوط وثوب صحيحة.
فتلك خمسة أوصاف لا غنى بك عن واحد منها. ألا ترى إلى صحّة خوان ، وبوان (١) ، وصوان ، لمّا كان مفردا لا جمعا. فهذا باب. ثم ألا ترى إلى صحّة واو
__________________
(١) بوان ، بكسر الباء وبالضم لغة ، عن الفراء : عمود من أعمدة الخباء ، والجمع أبونة وبون ، بالضم. اللسان (بون)