البحث
البحث في الخصائص
باب فى أن المحذوف
إذا دلت الدلالة عليه كان فى حكم الملفوظ به
إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه
من ذلك أن ترى رجلا قد سدّد سهما نحو الغرض ثم أرسله ، فتسمع صوتا فتقول : القرطاس والله ، أى أصاب القرطاس. فـ (أصاب) الآن فى حكم الملفوظ به البتّة ، وإن لم يوجد فى اللفظ ، غير أن دلالة الحال عليه نابت مناب اللفظ به. وكذلك قولهم لرجل مهو بسيف فى يده : زيدا ، أى اضرب زيدا.
فصارت شهادة الحال بالفعل بدلا من اللفظ به. وكذلك قولك للقادم من سفر : خير مقدم ، أى قدمت خير مقدم ، وقولك : قد مررت برجل إن زيدا وإن عمرا ، أى إن كان زيدا وإن كان عمرا ، وقولك للقادم من حجّه : مبرور مأجور ، أى أنت مبرور مأجور ، ومبرورا مأجورا ، أى قدمت مبرورا مأجورا ، وكذلك قوله :
رسم دار وقفت فى طلله |
|
كدت أقضى الغداة من جلله (١) |
أى ربّ رسم دار. وكان رؤبة إذا قيل له كيف أصبحت يقول : خير عافاك الله ـ أى بخير ـ يحذف الباء لدلالة الحال عليها بجرى العادة والعرف بها. وكذلك قولهم : الذى ضربت زيد ، تريد الهاء وتحذفها ، لأن فى الموضع دليلا عليها.
وعلى نحو من هذا تتوجّه عندنا قراءة حمزة ، وهى قوله سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والفحش والشناعة والضعف على ما رآه فيها وذهب إليه أبو العباس ، بل الأمر فيها دون ذلك وأقرب وأخفّ وألطف ؛ وذلك أن لحمزة أن يقول لأبى العباس : إننى لم أحمل (الأرحام) على العطف على المجرور المضمر ، بل اعتقدت أن تكون فيه باء ثانية حتى كأنى قلت : (وبالأرحام) ، ثم حذفت الباء ؛ لتقدّم ذكرها ؛ كما
__________________
(١) هذا البيت من شواهد النحو فى مباحث حرف الجر ، وهو مطلع القصيدة ، وبعده :
موحشا ما ترى به أحدا |
|
تنسج الريح ترب معتدله |
واقفا فى رباع أم جبير |
|
من ضحا يومه إلى أصله (نجار). |