مانعوه عليه ، وإن كان بحمد الله ساقطا عنه ، وحرّى بالاعتذار هم منه. وأجاز سيبويه أيضا نحو هذا وهو قوله (زيدا إذا يأتينى أضرب) فنصبه بـ (أضرب) ، ونوى تقديمه ، حتى كأنه قال (زيدا أضرب إذا يأتينى) ألا ترى إلى نيّته بما يكون جوابا لـ (إذا) ـ وقد وقع فى موقعه ـ أن يكون التقدير فيه تقديمه عن موضعه.
ومن غلبة الفروع للأصول إعرابهم فى الآحاد بالحركات ؛ نحو زيد ، وزيدا ، وزيد ، وهو يقوم ، وإذا تجووزت رتبة الآحاد أعربوا بالحروف ؛ نحو الزيدان ، والزيدين ، والزيدون والعمرين ، وهما يقومان ، وهم ينطلقون. فأمّا ما جاء فى الواحد من ذلك ؛ نحو أخوك ، وأباك ، وهنيك ، فإن أبا بكر ذهب فيه إلى أنّ العرب قدّمت منه هذا القدر توطئة لما أجمعوه من الإعراب فى التثنية والجمع بالحروف. وهذا أيضا نحو آخر من حمل الأصل على الفرع ، ألا تراهم أعربوا بعض الآحاد بالحروف حملا لهم على ذلك فى التثنية والجمع. فأمّا قولهم (أنت تفعلين) فإنهم إنما أعربوه بالحرف وإن كان فى رتبة الآحاد ـ وهى الأوّل ـ من حيث كان قد صار بالتأنيث إلى حكم الفرعيّة ، ومعلوم أن الحرف أقوى من الحركة ، فقد ترى إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظا من إعراب ما فوقه ، فصار ـ لذلك ـ الأقوى كأنه الأصل ، والأضعف كأنه الفرع.
ومن ذلك حذفهم الأصل لشبهه عندهم بالفرع ؛ ألا تراهم لمّا حذفوا الحركات ـ ونحن نعلم أنها زوائد فى نحو لم يذهب ، ولم ينطلق ـ تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا للجزم أيضا الحروف الأصول ، فقالوا : لم يخش ، ولم يرم ، ولم يغز.
ومن ذلك [أيضا] أنهم حذفوا ألف مغزى ، ومدعى فى الإضافة فأجازوا مغزىّ ، ومرمىّ ، ومدعىّ ، فحملوا الألف هنا ـ وهى لام ـ على الألف الزائدة فى نحو حبلىّ وسكرىّ. ومن ذلك حذفهم ياء تحيّة وإن كانت أصلا حملا لها على ياء شقيّة ، وإن كانت زائدة ؛ فلذلك قالوا تحوىّ كما قالوا شقوىّ ، وغنوىّ ، فى شقيّة وغنيّة. وحذفوا أيضا النون الأصليّة فى قوله :
* ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (١) *
__________________
(١) عجز البيت للنجاشى الحارثى فى ديوانه ص ١١١ ، والأزهية ص ٢٩٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٤١٨ ، ٤١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٥ ، وشرح التصريح ١ / ١٩٦ ، وشرح شواهد