«أرشدوا أخاكم فإنه قد ضلّ» ، ورووا أيضا أن أحد ولاة عمر رضى الله تعالى عنه كتب إليه كتابا لحن فيه ، فكتب إليه عمر : أن قنع كاتبك سوطا ، وروى من حديث على رضى الله عنه مع الأعرابىّ الذى أقرأه المقرئ : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة : ٣] حتى قال الأعرابىّ : برئت من رسول الله ، فأنكر ذلك علىّ عليهالسلام (١) ، ورسم لأبى الأسود من عمل النحو ما رسمه : ما لا يجهل موضعه ، فكان [ما] يروى من أغلاط الناس منذ ذاك إلى أن شاع واستمرّ فساد هذا الشأن ـ مشهورا ظاهرا ، فينبغى أن يستوحش من الأخذ عن كل أحد ، إلا أن تقوى لغته ، وتشيع فصاحته ، وقد قال الفرّاء (٢) فى بعض كلامه : إلا أن تسمع شيئا من بدوىّ فصيح فتقوله. وسمعت الشجرىّ أبا عبد الله غير دفعة يفتح الحرف الحلقىّ فى نحو (يعدو) (٣) و (هو محموم) ولم أسمعها (٤) من غيره من عقيل ، فقد كان يرد علينا منهم من يؤنس به ولا يبعد عن الأخذ بلغته. وما أظن الشجرىّ إلا استهواه كثرة ما جاء عنهم من تحريك الحرف الحلقىّ بالفتح إذا انفتح ما قبله فى الاسم على مذهب البغداديين ؛ نحو قول كثيّر (٥) :
له نعل لا تطّبى الكلب ريحها |
|
وإن جعلت وسط المجالس شمّت (٦) |
__________________
(١) كذا قال : وهو من مبالغات الشيعة فيخشى أن يكون المصنف ينحو نحوهم.
(٢) الفراء : هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمى ، كان يقال : الفراء أمير المؤمنين فى النحو من كتبه : معانى القرآن واللغات ، وما تلحن فيه العامة.
(٣) فى بعض النسخ : «يغدو».
(٤) فى نسخة : «أسمعهما».
(٥) كثير : هو أبو صخر كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعى المدنى ، كان شاعر أهل الحجاز ، وهو شاعر فحل من فحول الشعراء ، ولكنه منقوض حظه بالعراق ، قال ابن سلام : سمعت يونس النحوى يقول : كان كثير أشعر أهل الإسلام ، قال ابن سلام. ورأيت ابن أبى حفصة يعجبه مذهبه فى المديح جدا ، يقول : كان يستقصى المديح ، وكان فيه مع جودة شعره خطل وعجب ، وقال الزبير بن بكار : كان شيعيا ، يقول بتناسخ الأرواح ، وكان خشبيا ، والخشبية قوم من الجهمية ويقال هم ضرب من الشيعة ، وكان يؤمن بالرجعة أى رجعة على رضى الله عنه إلى الدنيا ، وكان قد تتيم بعزة. فعرف بـ «كثيّر عزة». طبقات ابن سلام ص ١٦٧ ، وما بعدها ط. العلمية ، وسير أعلام النبلاء ٥ / ١٥٢ ، والأغانى ٩ / ٥ ـ ٥٠ ، والأعلام ٥ / ٢١٩ ، الشعر والشعراء فى كتاب العمدة ص ٢٢٢ ، ٢٢٣.
(٦) البيت من الطويل ، وهو لكثير عزّة فى ديوانه ص ٣٢٤ ، ولسان العرب (نعل) ، والمذكر ـ والمؤنث ص ٤١٠ ، والبيان والتبيين ٣ / ١١٢ ، وتاج العروس (شمت). طبيته إلينا طبيا وأطبيته : دعوته. واستشهاد المصنف هنا بقوله : «نعل» حيث حرك العين وهو حرف حلقى.