قال بعض الفضلاء : وإذا انتهى الكلام الى هاهنا ، فحري بنا أن نشير الى بعض بطون هذه الآيات ، فنقول : هذا كلام من باطن الجمع ، الى ظاهر الفرق.
يخاطب أكمل صورة ، أولا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومتابعيه ، آخرا.
فيقول : الم ، أي أقسم بالأول وذي الأمر والخلق أن «ذلك» الموجود المعلوم المشهود أعني العالم ، هو «الكتاب» الجامع لحروف وكلمات ، مخطوطة مرقومة في رق الوجود المنشور ، للدلالة على أسماء الله الحسنى وصفاته العلى.
ولا يزال الكتابة فيه ، دائمة أبدا لا ينتهي ، (لا رَيْبَ فِيهِ). لأن تلك الدلالة ، قطعية عقلية او كشفية ، لا مجال للريب والشك. فيها «هدى» للمشارفين على الترقي من الحجب المائعة ، عن التحقق ، بشهود الوحدة والكثرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) بغيب الهوية وسريانها ـ أولا ـ في الصور العلمية الباطنة ، التي هي الأعيان الثابتة.
ولها الأولية. وثانيا في الصور العينية الظاهرة ، التي هي الأعيان الخارجية. ولها الآخرية ، فهو الأول والآخر والظاهر والباطن. وبعد الايمان بها يسلكون طريق الوصول الى شهودها في تلك الصور ، بوحدتها. فيقيمون الصلاة التي هي العبادة التامة الجامعة الموصلة الى شهود الجمعية الالهية ، بتحريك صلاتهم الروحانية والجسمانية ، للسير اليها والفناء فيها. «ومما» أفيض عليهم ، بعد الفناء ، من أنوار المعرفة وأسرار الوحدة ، يفيضون على من سواهم ، لجعلهم بالتربية والكمال ، مستعدين لفيضانها. و «الذين» يصدقون ، لصفاء استعدادهم (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وبما انزل الى الأنبياء والمرسلين من تلك الأنوار والأسرار ، حيث يفهمونها بلسان الاشارة عنك ، فيرغبون فيها ويسلكون للوصول اليها. «وبالاخرة» أي ، بعاقبة سلوكهم ومآل أمرهم ، الى فيضان تلك الأنوار والأسرار ، في أثناء سلوكهم ، لظهور آثارها ، متيقنون. (أُولئِكَ عَلى هُدىً) مشهود ، (مِنْ رَبِّهِمْ) الظاهر بالاسم