وانما اختير ـ أولا ـ «أضاءت» على «أنارت» ، تنبيها على مزيد الحيرة والخيبة ، واشعارا بالبطلان ، لما تقرر في الأذهان ، من قوة أمر الباطل ، في بدء الحال واضمحلاله سريعا ، في المآل.
وانما قال : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ). ولم يقل : «أذهب الله نورهم» ـ كما قرأ بعضهم ـ لأن معنى «أذهبه» ، أزاله ، وجعله ذاهبا. ويقال : ذهب به ، إذا استصحبه.
ومعنى «به» ، معه. فان «الباء» وان كانت للتعدية ، كالهمزة. الا أن فيها معنى المصاحبة واللصوق. وذهب السلطان بماله ، أخذه. فالمعنى أخذ الله نورهم وأمسكه.
وما يمسك (١) ، فلا مرسل له. وهو أبلغ من الاذهاب. لما فيه من معنى الأخذ والإمساك. أما الأخذ ، فظاهر. وأما الإمساك ، فلما يقتضيه المصاحبة واللصوق.
قال بعض الفضلاء : وعند العارفين ، النكتة فيه ، غير ما ذكر ، فان مجيء الله سبحانه بالنور ، ليس الا بتجلّيه (٢) باسم النور ، على المتجلى له. فهو عند تجليه بالنور ، متلبس به ، غير منفصل (٣) عنه. وكذلك ذهابه بالنور. ليس الا متعلقا دون هذا التجلي. فهو يذهب مكتسبا بالنور ، لا منفصلا عنه. فهو المتلبس بالنور ، في الحالين. بل هو النور في العلم. (والعين لا) (٤) نور سواه. ثم أكد ذلك. وقرره بقوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧)) : ففيه زيادة على ما يدل عليه ، اذهاب نورهم ، من وقوعهم في الظلمة ، كمّا وكيفا. اما كمّا ، فلما (في الظلمات
__________________
(١) أ : يماسك.
(٢) أ : يتجليه.
(٣) ر : منفعل.
(٤) ما بين القوسين ليس في أ.