مسببية (١) ذهاب سمعهم وبصرهم ، لمشية الحق سبحانه ، كما هو شأن الحوادث ، كلها. لا الدلالة على انتفاء أحدهما ، لانتفاء الاخر. فلذلك قال بعضهم : «لو» هنا مستعمل ، لربط جزائها بشرطها ، مجردة عن الدلالة على انتفاء أحدهما ، لانتفاء الاخر ، فهو بمنزلة إن.
وقد يقال : انها باقية على أصلها. وقصد بها التنبيه ، على أن مشقتهم ، بسبب الرعد والبرق ، وصلت غايتها وقاربت ازالة الحواس ، بحيث لو تعلقت بها المشيّة لأزالت بلا حاجة ، الى زيادة ، في وصف الرعد وضوء البرق ، كما ذكر أولا.
والنكتة في اختيار ذهب بسمعهم وأبصارهم ، على أذهب سمعهم وأبصارهم قد مر بيانها «في (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ).
والمعنى «لو شاء الله أن يذهب بسمعهم» ، بشدة صوت الرعد ، «وأبصارهم» ، بقوة لمعان البرق ، لذهب بهما. فحذف المفعول ، لدلالة الجواب عليه. ولهذا تكاثر حذف المفعول ، في «شاء» و «أراد» ومتصرفاتهما ، إذا وقعتا في حيز (٢) الشرط ، لدلالة الجواب على ذلك المحذوف ، ومع وقوعه في محله لفظا. ولأن في ذلك نوعا من التفسير ، بعد الإبهام ، الا في الشيء المستغرب. فانه لا يكتفى فيه ، بدلالة الجواب عليه. بل يصرح به ، إغناء بتعيينه ، ودفعا لذهاب الوهم الى غيره ، بناء على استبعاد تعلق الفعل به ، واستغرابه ، كقوله :
ولو شئت أن ابكي دما ، لبكيته |
|
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع |
وقرئ : لأذهب بسمعهم وأبصارهم ، بزيادة الباء. كقوله تعالى (٣) : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٤).
__________________
(١) أ : مسببة.
(٢) أ : خبر.
(٣) البقرة / ١٩٥.
(٤) ر. أنوار التنزيل ١ / ٣٠.