انما يصار اليه ، لكشف المعنى الممثل له. ورفع الحجاب عنه وابرازه في صورة المشاهد المحسوس ، ليساعد فيه الوهم ، العقل ويصالحه. فان المعنى الصرف ، انما يدركه العقل ، مع منازعة من الوهم. لأن من طبعه ، ميل الحسن وحب المحاكاة ، لما قاله الجهلة ، من أن ضرب الممثل بالمحقرات ، كالنحل والذباب والعنكبوت والنمل ، لا يليق بكلام الفصحاء ، من المخلوقين. ويخل بفصاحته.
فكيف يليق بالقرآن الذي تدعون أنه كلام الله ، بالغ في الفصاحة حد الاعجاز؟
وعن الحسن وقتادة (١) : انه لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه. وضرب به للمشركين المثل. ضحك اليهود. وقالوا : ما يشبه (٢) هذا كلام الله. فأنزل الله سبحانه ، هذه الاية.
وقال : ان الله لا يترك ضرب المثل ، ببعوضة ، ما ترك من يستحيى أن يمثل بها ، لحقادتها. وقد مثل في الإنجيل ، بالنخالة ، لمن يقول بالبر. ولا يعمل به ، كالمنخل يخرج المنخول المختار. ويمسك النخالة. قال : لا تكونوا كمنخل ، يخرج منه الدقيق ويمسك النخالة. كذلك أنتم ، تخرج الحكمة من أفواهكم.
وتبقون الغل ، في صدوركم. وبالحصاة للقلوب القاسية ، حيث قال : قلوبكم كالحصاة ، لا ينضجها النار. ولا يلينها الماء. ولا ينسفها الرياح. وبالزنابير ، لمقاولة السفهاء ، لما في اثارتها من الضرار. قال : لا تثيروا الزنابير ، فتلدغكم.
فكذلك لا تخاطبوا السفهاء ، فيشتمون.
و «الاستحياء» ، من الحياء. وهو انقباض النفس ، عن القبيح ، مخافة الذم.
وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها ، والخجل الذي هو انحصار النفس ، عن الفعل ـ مطلقا ـ.
__________________
(١). مجمع البيان ١ / ٦٧.
(٢) أ : شبه.