فلم يكن كفرهم من دون وعي منهم ، بل بسبب اعتقاد راسخ بالفكرة المعاكسة لها.
ان تصور لقاء أي إنسان ربه ، وموقفه الضعيف امام هيبته البالغة ، يكفيه عقلا ورصانة وايمانا ، إذ أنّه يكبح شهوات الفرد موقتا ، ويثير فيه حبه لذاته ، وسعيه وراء تحقيق مستقبله.
لا نهلك القرى بظلم :
[١٣١] ودليل وعي الكفار للحقيقة ، وجحودهم بعد اليقين ، ان حكمة الله البالغة ورحمته الواسعة الدائمة تأبيان الظلم للعباد ، وأخذهم بجريمة ارتكبوها من دون وعي منهم ، بل بغفلة وعدم انتباه ، أو بسبب يقين مضاد.
(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ)
الله قوي مقتدر ، ولا يملك العباد دونه ملجأ ، فان كان يستخدم قوته وقدرته في إهلاك عباده دون ان يبلغ الدعوة الحقّة الى أعمق أعماقهم. أفلا يكون ظلما؟! ولماذا يظلم ربنا عباده وهو الذي خلقهم ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنه؟ إذا حين يهلكهم فهم يستحقون ، واستحقاقهم دليل واضح على علمهم بالحقيقة ، وكفرهم بها ، وشهادتهم على ذلك يوم القيامة ، دليل آخر على ذلك.
[١٣٢] وعدالة الله في الحياة ظاهرة المعالم ، ولكن من أبرز أدلة هذه العدالة هي : أن الله يعطي كل واحد من الناس قدرا من العلم والمال والجاه يتناسب مع مقدار عمله ، ومن هنا فانه سوف يثيب أو يعذّب عباده يوم القيامة بأعمالهم ، وبقدر تلك الأعمال أيضا.
(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)