والحقيقة في معرفة المادة والروح هي الايمان بواقع الطبيعة ، وبحقيقة القيم التي تهيمن عليها ، والاعتقاد بوجود الطبيعة المدبّرة بسلطان ربها ، وبالتالي الاهتداء الى الله عبر أسمائه وآياته المنتشرة في رحاب الطبيعة.
ان القرآن باعتباره كتاب الله الذي ، لا ريب فيه يتحدث إلينا عن الطبيعة باعتبارها جسرا يسير عبرها الفكر الى معرفة الله ، وباعتبارها مظهرا ساميا لأسماء الله وآياته ، وباعتبارها أداة للإنسان لاكتشاف نفسه ، والاهتداء الى ربه ، والتكامل حتى يكون الى الله المنتهى.
عليك ان تنظر الى السماوات ولا تجلس في غرفة مظلمة تبحث عن الله ، ولكن إياك ان تنظر الى السماوات كأنها أشياء ثابتة جامدة جاهلة ، كلا بل باعتبارها حقائق تسبّح بحمد خالقها وتسجد لهيمنة ربها.
لماذا اسم الأنعام
؟ إن سورة الأنعام هي مثل كل سور القرآن التي تشع بنور التوحيد ، وتنساب في ضمير الإنسان بضياء الايمان بالله ، ولكنها لم تسّم باسم مجرّد. فلم يكن اسمها مثلا : سورة الحي القيوم ، أو سورة الصمد الأحد ، أو سورة القدوس الأعلى ، أو سورة الحمد والتسبيح ، كلا ... بل سميت بسورة الأنعام.
الأنعام التي يضرب الله بها مثل الغباء ، ويعتقد الإنسان أنّها لا تعني شيئا في حقل الايمان والعرفان ، مع ذلك سمّى الله هذه السورة باسم الانعام ليجعلنا نغير نظرتنا الى الانعام ، ونعرف انها نعمة من نعم الله ، وانها بالتالي تهدينا الى الله من جهة. وتفرض علينا من جهة مسئولية معينة ، وهي تلك المسؤولية التي يشعر بها المؤمن أمام ربه ، وبذلك يخرج المادة (وهنا الانعام مثل لها) من النظر إليها بنظرة الشيئية دون الالتفات الى دور المادة في تكامل الروح والعلم والقيم ، كما يخرج