نعس الثالثة ، فاستيقظ ، فقال : «رحم الله عمرا» ، فقلنا : من عمرو يا رسول الله؟! قال : «عمرو بن العاص». قلنا : وما باله؟ قال : «ذكرت أنى كنت إذا ندبت الناس للصدقة ، جاء من الصدقة ، فأجزل. فأقول له : من أين لك هذا يا عمرو؟ فيقول : من عند الله. وصدق عمرو ، إن لعمرو عند الله خيرا كثيرا (١).
قال علقمة : فلما كانت الفتنة (٢) ، قلت : «أتبع هذا الذي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيه ما قال». قال : «فصحبته ، فلم أفارقه».
لم يحدّث به عن علقمة غير زهير ، وكلاهما صحابى (٣).
قتلته الروم ببرقة فى سنة ست وسبعين. وكان سبب قتله أن الصّريخ أتى الفسطاط بنزول الروم على برقة ، فأمر عبد العزيز بن مروان زهيرا بالنهوض إليهم ، وكان عليه واجدا ؛ لأنه كان قاتل عبد العزيز بناحية «أيلة» قبل (٤) دخول مروان بن الحكم مصر. وكان عارض (٥) من الصّدف ، يقال له : جندل بن صخر ، وكانت فيه فظاظة. فقال زهير لعبد العزيز : أما إذ قد أمرتنى بالخروج ، فلا تبعثوا معى جندلا عارضا ، فيتخلف عنى عامة أصحابى ؛ لفظاظته. فقال له عبد العزيز : إنك ـ يا زهير ـ جلف جاف. فقال له زهير : يا بن ليلى ، أتقول لرجل جمع ما أنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوسلم قبل أن يجتمع أبواك : جلف جاف؟! هو ذا الأمر ، فلا ردّنى الله إليك.
__________________
(١) ورد هذا الحديث منسوبا إلى رواية ابن يونس ، وذلك فى (رياض النفوس ، ط. مؤنس ١ / ٦٠ ، وط. بيروت ١ / ٩٤). هذا ، وقد أورد ابن عبد الحكم هذا الحديث عند تناوله الصحابى (علقمة ابن رمثة البلوى). (فتوح مصر ٣٠٢). وسوف أذكر تخريجه فى ترجمة ابن يونس للصحابى المصرى المذكور آنفا ، إذ يغلب على الظن أن مؤرخنا أعاد ذكر الحديث هناك من طريق أخرى ، وسوف أعرض لذلك فى باب (العين) من (تاريخ المصريين) ، إن شاء الله.
(٢) يقصد : فتنة معاوية وعلى ، ومعركة صفين بينهما ، وكان فيها عمرو بن العاص إلى جانب معاوية.
(٣) رياض النفوس (ط. مؤنس ١ / ٦٠) ، و (ط. بيروت ١ / ٩٤).
(٤) إضافة من عندى ، اقتضاها سياق الكلام.
(٥) لعل منصب (عارض الجند) المشار إليه ، يأتى من قولهم : عرض العارض الجند عرض عين : أمرّهم عليه واحدا واحدا ؛ ليعرف من غاب منهم ، ومن حضر. (اللسان ، مادة : ع. ر. ض) ٤ / ٢٨٨٥ ، والمعجم الوسيط ٢ / ٦١٥. ويبدو أن الرجل المذكور فى المتن كان شديدا قاسيا على الجند ، حتى إنهم كانوا يفرون من غلظته وفظاظته ، وهو يستعرض استعدادهم عند الخروج للمعارك.