كان أبو بكر بن مجاهد يأتي كل جمعة إلى الوزير علي بن عيسى فيجلسه في مرتبته ويجلس بين يديه يقرأ عليه ، ويأمر الحاجب أن لا يأذن عليه لأحد في ذلك اليوم ولو أنه من كان ، وكان يسميه بأستاذ ، فسأله أبو بكر أن يجعل موضع ذلك : يا سيدي ، فلما كان جمعة من الجمع دخل الحاجب فقال له : يا مولاي بالباب إنسان جندي يريد الدخول على سيدنا الوزير ، فانتهره الوزير فخرج الحاجب ورجع فقال : يا مولاي إنّه يقول إنّها حاجة مهمة ويكره الفوت ، فيلحقنا من هذا ما نكره (١) ، فأمر بإحضاره ، فدخل فوقف بين يديه ، فقال له : هيه ، ما هذه الحاجة المهمة ، فقال : اعلم سيدنا الوزير أن لي ثلاثا ما طعمت طعاما لا من عوز حتى لقد نتن فمي ، فلما كان البارحة صلّيت ما كتب الله ونمت ، فرأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام ، فكأني قد وقفت عليه ، فسلّمت ثم قلت : يا رسول الله هذا علي بن عيسى قد منع رزقي ، وأتعبني في ملازمته ، والغدو والبكور إليه ، فقال لي النبي صلىاللهعليهوسلم : «امض إليه برسالتي فإنه يدفع إليك رزقك» ، فقال له علي بن عيسى : ما رأيت أغثّ فضلا منك ، فقال الجندي : بقي ـ أيّد الله الوزير ـ تمام الرؤيا ، فقال له : هيه ، قال : فقلت له يا رسول الله علي بن عيسى رجل فيه بأو ، وكبر ، ولا يجوز عليه شيء ، وأنا أخشى يتهمني في هذا؟ فقال لي : قل له بعلامة أنك تعلقت سنة من السنين بأستار الكعبة ، فسألت الله ثلاث حوائج ، فقضى لك اثنتين وبقيت واحدة ، قال : فاندفع الوزير بالبكاء ، فبكى معه أبو بكر بن مجاهد ، ثم قال : والله لو لا ما أتيت من هذا الحديث وأطعته لاتّهمتك في قولك ، لأنه ما علم بهذا إلّا الله عزوجل ، وأمر للجندي بألف دينار ، وأطلق له أرزاقه ، وأضعف ما كان يدفعه إليه ، وصار من خواصّ أصحابه.
أنبأنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن طاهر بن سعيد المهيني ، أنا أبو شجاع محمّد بن سعدان بشيراز ، أنا أبو الحسن علي بن بكران الصوفي ، أنا أبو الحسن علي الدّيلمي قال : سمعت الشيخ يعني أبا عبد الله محمّد بن خفيف يحكي قال : لمّا عزل علي بن عيسى الوزير خرج إلى مكة ونوى المجاورة ، وحجّ معه في تلك السنة الماذرائي (٢) ، وابن زبنور ، فقال لهما : اعزما على المجاورة ، فقال الماذرائي (٣) : أنا لا
__________________
(١) الأصل : يكره.
(٢) الأصل : الماذراني ، بالنون ، وهذه النسبة إلى ماذرايا (راجع ما جاء فيها الأنساب ، ومعجم البلدان).
(٣) بالأصل : المادراني.