أصبر على حرّ مكة ، وقال ابن زنبور : أنا أقيم معك ، قال ابن زنبور : أخذ علي بن عيسى في التعبّد العظيم ، قال : فكنت يوما في الطواف وعلي بن عيسى قد بسط كرّه (١) في حاشية الطواف وهو يصلّي ، فإذا شيخ يسلّم عليّ وقال : من هذا؟ قلت : علي بن عيسى ، قال : أيش يعمل؟ قلت : يتعبّد ، فقال : ليس لله فيه شيء ، قال ابن زبنور : فاستجهلته وقلت في نفسي : يقول مثل هذا في رجل يعبد الله بمثل هذه العبادة؟ قال : فلما كان بعد أيام وكنت في الطواف فإذا بالرجل جذبني من خلفي وقال : من هذا؟ فقلت : أليس أخبرتك مرة؟ هو علي بن عيسى ، فقال كما قال في الأولى ، فلما قعدنا نفطر مع علي بن عيسى ذكرت قول الرجل لي فضحكت فقال : ما هذا الضحك؟ فقلت : رأيت مرتين شيخا من حاله وقال كذا وكذا ، قال : فترك لقمته وأطرق ساعة ، ثم قال : إن عاودك فسله ، وقل : وما ذا؟ قال : فلما كان بعد أيام رأيته فسألني عنه كما سأل ، فقلت له : بم ذا (٢)؟ فقال : وجد مناه ، لا بارك الله له فيه ، قال : فجئت فأخبرته فقال : ويحك ما رأيت أعجب منك ، قد رأيت الخضر ثلاث مرات ولم تعرفه؟ قال : فما كان إلّا أيام قلائل حتى ورد حاجب الخليفة ، معه خمسمائة راحلة ، وكتاب الوزارة إلى علي بن عيسى ، فما رئي بعد ذلك في المسجد.
سمعت أبا المظفّر بن القشيري يقول : سمعت أبي يقول : سمعت الشيخ أبا عبد الرّحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا عمر الأنماطي يقول :
ركب علي بن عيسى الوزير في مركب عظيم ، فجعل الغرباء يقولون : من هذا؟ من هذا؟ فقالت امرأة قائمة على الطريق : إلى متى يقولون من هذا من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله فابتلاه بما ترون ، فسمع علي بن عيسى ذلك ، فرجع إلى منزله ، واستعفى من الوزارة ، وذهب إلى مكة ، وجاور بها.
كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ.
ح وأخبرنا أبو منصور بن خيرون ، أنا ـ وأبو الحسن بن سعيد ، نا ـ أبو بكر
__________________
(١) الكرّ : منديل يصلى عليه ، والكساء (القاموس المحيط).
(٢) كذا بالأصل ، ولعل الصواب : «فقلت له : ثم ما ذا؟» كما في مختصر ابن منظور.