المنة على الأمة أبا عبد الله أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني الذي قال فيه مثل الشافعي «خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع من أحمد بن حنبل» وقال هلال بن العلاء منّ الله على الناس بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ، ولو لا ذلك لكفر الناس ، توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين ، عن سبع وسبعين سنة ، وهو صحب الإمام أحد أعلام الأمة وأمير المؤمنين في الحديث أبا محمد سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي نزيل مكة والمجمع على علمه وفقهه وزهده وورعه وهو القائل : وقد وقف بعرفات حججت سبعين حجة وفي كل عام أقف بهذا المكان وأسأل الله أن لا يجعله آخر العهد منه وقد استحييت من الله تعالى فيما أسأله ، فمات من السنة القابلة مستهل رجب سنة ثمان وتسعين ومائة عن إحدى وتسعين سنة وهو صحب الإمام الجليل التابعي الكبير أبا محمد عمرو بن دينار الجمحي مولاهم المكي الذي قال فيه مثل شعبة «لم أر مثله» توفي أول سنة اثنتين وعشرين ومائة عن ثمانين سنة ، وهو صحب الإمام الحبر البحر ترجمان القرآن أبا العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي الذي دعا له النبي صلىاللهعليهوسلم «اللهم علمه الحكمة وفقهه في الدين» (١) وهو صحب ابن عمه سيد الأولين والآخرين أبا القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب حتى توفي وهو ابن خمس عشرة سنة ، ثم صحب أبا بكر الصديق حتى توفى ، ثم صحب عمر بن الخطاب حتى توفي ، ثم صحب عثمان بن عفان حتى توفي ثم اختص بصحبة ابن عمه أمير المؤمنين وحبيب حبيب رب العالمين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب حتى توفي في رمضان سنة أربعين ، وبقي بمكة ، ونزل بالطائف حتى توفي بها ، سنة ثمان وستين عن نحو ثلاث وثمانين سنة ، وصلى عليه ابن ابن عمه أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية ، فهذه طريقة في الصحبة لم يكن أعلى منها ولا أصح ، وقع بيننا وبين أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أحد عشر رجلا ، ويقع لنا من هذه الطريقة في الصحبة ، ما هو ألطف من هذا وأحسن عند العارضين بقدر ذلك وهو :
__________________
(١) صحيح : أخرجه أحمد (١ / ٢٦٦ ، ٣١٤ ، ٣٢٨ ، ٣٣٥) ، والحاكم (٣ / ٥٣٤) من حديث ابن عباس ، وأخرجه البخاري (١ / ٢٤٤) ، ومسلم (٤ / ١٩٢٧) من حديثه دون قوله : «وعلمه التأويل».