من سائر الجهات ، فأخبر عما رآه في تلك الساعة ، ثم تناقله الرواة فيما بعد من دون ملاحظة ذلك.
والذي نراه هو : أن الأمر كان كما ذكره هذا الراوي ، وأن المنافقين كانوا بهذه الكثرة العظيمة ، لأن أكثرهم قد اظهر الإسلام بعد فتح مكة ، أي قبل مدة يسيرة من غزوة تبوك ، فاقتضى ذلك نزول الآيات الكثيرة التي تؤنبهم على نفاقهم ، وعلى ممارستهم الخبيثة التي تكاد تلحق أذى عظيما في الإسلام ، فنزلت أكثر آيات سورة التوبة لمعالجة هذا الواقع ، فنجحت المحاولات ، واستعاد النبي «صلىاللهعليهوآله» قسما كبيرا ممن تخلف ، وبقيت طائفة منهم وهي أيضا طائفة كبيرة وخطيرة أيضا ، وكانت تضمر للإسلام شرا ، ولم يكن يمكن السيطرة عليها ، ومعالجة أمرها إلا بأمير المؤمنين «عليهالسلام» أو النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فخلّف «صلىاللهعليهوآله» أمير المؤمنين عليا «عليهالسلام» ، وسار هو بالجيش الذي هيأه كما هو معلوم.
٣ ـ لقد تعلل ابن أبي لرجوعه مع غيره من المنافقين بخوفه من بني الأصفر ، وهم الروم .. وببعد الشقة ، وثقل وخطورة المهمة ، وبأنه يرى أن المسلمين سيتحولون إلى أسرى في يد أعدائهم .. مع أنه قد رأى من المعجزات على يد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ما لا يبقي عذرا لأحد في أي تخاذل عن نصرته .. لأن تلك المعجزات تضطره إلى الإيمان بأن النبي «صلىاللهعليهوآله» متصل بالله تبارك وتعالى .. فلا بد من إطاعته ، ما دام أنه لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى.
إنه قد رأى كيف انتصرت قلة قليلة من المسلمين على ما يفوقهم عددا بأضعاف كثيرة ، ولم تكن غزوة مؤتة إلا حجة دامغة على كل منافق لا يؤمن