.........................
__________________
لمّا امتنع أخي الحسين عليه السلام عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خالياً ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدثني أخوك أبو محمد الحسن ، عن أبيه عليهم السلام ، ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول؟ فقلت : حوشيت يابن رسول الله ، فقال : سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك؟ فقلت : نعم ، فلولا ناولت وبايعت.
فقال : حدثني أبي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن أنك علمت مالم أعلمه ، وإنه لا أعطي الدنية من نفسي أبداً ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية مالقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحدٌ آذاها في ذريتها.
أقول أنا : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة ، أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خيرٌ لكم عند بارئكم ).
ولعله يعتقد أن معنى قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.
ولقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية ما يليق بالعقل :
فروى عن أسلم قال : عزونا نهاوند ـ وقال غيرها ـ واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منهما ولا أعرض ، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم ، فحمل رجلٌ منا على العدو ، فقال الناس : لا إله إلا الله ألقى نفسه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب الأنصاري : إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة ، وليس كذلك ، إنما نزلت هذه الآية فينا ، لأنا كنا قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله إنكالٌ لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله لإصلاح أموالنا : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ، معناه : إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيدكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم ، وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة ، وتحريضٌ لنا على الغزو ، وما أنزلت هذه الآية في رجلٍ حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة.
أقول : وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب ، وسيأتي ما يكشف عن هذه الأسباب.
قال رواة حديث الحسين عليه السلام مع الوليد بن عتبة ومروان : ...