فإذا قال : حاشا لزيد فمعناه : قد تنحّى زيد من هذا وتباعد منه ، كما أنك إذا قلت قد تنحى من هذا فمعناه : قد صار في ناحية منه ؛ وكذلك تحاشى من هذا ، أي : قد صار في حشا منه ، أي : في ناحية منه.
وعلى طريقة الزجاج قال بعض أصحابنا : (حاشا) في معنى المصدر ، قال : ويقال : حاشا الله ، وحاشا لله كما يقال براءة لله ، ويدخله النقص فيقال : حاش لله وحشا لله ، كما يقال في النقص : غد في : ومه في : مهلا ، وعل في على ، ولا يكون ذلك في الحروف.
ويستعملون حاشا لتبرئة الاسم الذي بعدها عند ذكر سوء في غيره أو فيه ، وربما أرادوا تبرئة الإنسان من سوء فيبتدئون بتبرئة الله عزوجل من السّوء ، ثم يبرئون من أرادوا تبرئته ، ويكون تنزيههم الله على جهة التعجب والإنكار على من ذكر السوء فيمن برّأوه. قال الله تعالى : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)(١) ، ومذهب حاشى لله كمذهب معاذ الله ، وسبحان الله في الإنكار والتعجب ، وإذا استثنوا بحاشا فاستثناؤهم بها أيضا على طريق التبرئة للاسم المستثنى بها من سوء ، أدخلوا فيه غيره.
وقد تكون (خلا) حرف جر ، ولم أعلم خلافا في جواز الجر بها ، ولم أر أحدا ذكر في (عدا) الجرّ إلا الأخفش ، فإنه قرنها وبعض ما ذكر مع (خلا) في الجر.
وأما أتاني القوم سواك فيه فصار فيه معنى الاستثناء ؛ لأنّ فيه مع غير وسواك لا يتمكن ، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع.
وقال أبو سعيد : حكي عن الزجاج أنه كان يجيز في بعض الأحوال تقديم حرف الاستثناء في أول الكلام ، ويحتج بقول الشاعر :
خلا أنّ العتاق من المطايا |
|
حسين به فهنّ إليه شوس (٢) |
وهذا غلط ؛ لأن الشعر لأبي زبيد الطائي ، وقبل هذا البيت في قصيدته :
إلى أن عرّسوا وأغبّ منهم |
|
قريبا ما يحسّ له حسيس |
خلا أنّ العتاق من المطايا |
|
حسين به فهنّ إليه شوس |
فقد صار (خلا) بعد المستثنى منه ، وهو : " ما يحسّ له حسيس".
وأما قول العجّاج.
__________________
(١) سورة يوسف ، من الآية : ٥٠.
(٢) البيت منسوب لأبي زبيد الطائي في ديوانه ٩٦ ؛ ولسان العرب ، وتاج العروس (حسس) ؛ والمقتضب ١ / ٣٨٠.