حاشى أبي ثوبان إنّ به |
|
ضنّا عن الملحاة والشتم (١) |
وأكثر الناس يخالف سيبويه فيها ، وهم مع خلافهم سيبويه مختلفون فيها :
فأما الفرّاء فزعم أنّ حاشا فعل ، وزعم أنه لا فاعل له ، وهذا ظريف وهو كالمحال ؛ لأن الفعل لا يكون بغير فاعل ، وزعم أن الأصل حاشا لزيد ، فكثر الكلام حتى أسقطوا اللام ، وخفضوا بها.
وقال محمد بن يزيد المبرّد : إنه يكون حرف جر كما ذكر سيبويه ، ويكون فعلا ينصب مثل (عدا) و (خلا) ، واستدل ، على ذلك بتصريف الفعل منه ، وقولهم : حاشيت زيدا أحاشيه ، كقول النابغة :
ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه |
|
ولا أحاشي من الأقوام من أحد (٢) |
ومما احتجّ به قولهم حاشا لزيد ، ولو كان (حاشا) حرف جرّ لم يجز دخولها على اللام.
قال أبو سعيد : أما احتجاجه ب (حاشيت) فلقائل أن يقول : حاشيت إنّما هو تصريف فعل من لفظ (حاشا) الذي هو حرف يستثنى به ، وليس ب (حاشيت) يقع الاستثناء ، ولا بحاشى يحاشى ، ومنزلة : حاشيت من حاشى كمنزلة : هلّل وحولق ، وبسمل ، من : (لا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وبسم الله) فقد صرّف الفعل مما ليس بفعل.
ومما يقوى قول أبي العباس أن أبا عمرو الشيباني وغيره حكى : أن العرب تخفض بها وتنصب.
وقال أبو إسحاق الزجاج : حاشا لله في معنى : براءة لله ، وهي مشتقّة من قولك : كنت في حشا فلان ، أي : في ناحية فلان. كما قال :
بأيّ الحشا أمسي الخليط المباين (٣)
__________________
(١) البيت منسوب إلى الشاعر الجاهلي الجميح (منقذ بن الطمّاح بن قيس الأسدي) ؛ الخزانة ١٠ / ٢٤٩ ؛ ابن يعيش ٢ / ٨٤ ، ٨ / ٤٧ ؛ وتاج العروس (حشا).
(٢) البيت منسوب للنابغة الذبياني ؛ في ديوانه ص ٢٠ ؛ الخزانة ٣ / ٤٠٣ ، ٤٠٥ ؛ ابن يعيش ٢ / ٨٥ ؛ واللسان ، وتاج العروس (حشا).
(٣) البيت منسوب للمعطل الهذلي في ديوانه ٣ / ٤٥ ؛ ابن يعيش ٢ / ٨٥ ، ٨ / ٤٨ ؛ ولسان العرب (حشا) ؛ وتاج العروس (حشا).