المجرى.
ومن أجل هذا لم يجز في الاستثناء (لم يكن) ، و (ما كان) ، في موضع : (ليس) ، و (لا يكون) ؛ لا تقول : جاءني القوم لم يكن زيدا ، وما كان زيدا ، على معنى لم يكن بعضهم زيدا.
وقد قيل : إنّ معنى عداني الشيء ، وعداك الشيء يقال فيما قرب منك ، وكاد يقع بك ، و (جاوز) قد يقع فيما تباعد وفيما قرب ، تقول : جاوزنا الغيم ، ولا تقول : عدانا الغيم ؛ لتباعده عنا.
وأما (ما عدا) و (ما خلا) فلا خلاف بين البصريين والكوفيين أنّ (ما) في موضع نصب ، وأنّ (ما خلا) و (ما عدا) كالمصدر ، وفاعل (عدا) و (خلا) مضمر تقديره : ما عدا بعضهم ، وما خلا بعضهم ، كأنا قلنا : أتاني القوم مجاوزتهم زيدا.
قال أبو سعيد : ومجاوزتهم عندي بمعنى الحال ، كالمصادر التي توضع موضع الحال ، كقولك : رجع عوده على بدئه ، ونظائره ، كأنه قال : أتاني القوم مجاوزين ، أو خالين من زيد.
فأما (إلا أن يكون) فإذن الاستثناء ب (إلا) ، والمستثنى (أن) ، و (يكون) في صلة (أن) ، والفعل بعدها في تقدير المصدر ، فإذا قلت : أتوني إلا أن يكون زيد فتقديره في اللفظ : إلا كون زيد ، ومعناه : إلا زيدا ، وقد ينصب فيقال : أتاني القوم إلا أن يكون زيدا ، على معنى : إلا أن يكون بغضهم ، كما أضمر في (ليس) و (لا يكون) ؛ ومعنى ذلك كله : إلا زيدا.
وأما قوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً)(١) ؛ فتجارة فاعل (تكون) ، وإذا نصبت تجارة وأنّثت (تكون) فالتقدير : إلا أن تكون الأموال تجارة ، ويجوز في العربية : إلا أن يكون تجارة على معنى : إلا أن يكون بعضها تجارة ، كما تقول : أتاني القوم إلّا أن يكون زيدا ، وإذا رفعت الاسم ف (يكون) في معنى يقع ؛ إلا أن تقع تجارة ؛ لأن (كان) إذا لم يكن لها خبر فهي في معنى : يقع ، ويحدث ، ويوجد ، ونحو ذلك.
وأما (حاشا) فهي عند سيبويه حرف جبر ، وليس باسم ولا فعل ، وأما الجر بها فلا خلاف بين النحويين فيه ، وقد قال الشاعر :
__________________
(١) سورة النساء ، الآية : ٢٩.