والوجه الآخر : أن تكون الحال للأول ، وتكون من كلام واحد ، ويكون التقدير في : قام القوم ليس زيدا : قام القوم خالين من زيد ، وعارين من زيد.
وقد يقول القائل : جاءني عمرو وليس معه زيد على الحال ، كما تقول : جاءني عمرو ومعه زيد ويجوز إسقاط الواو ، تقول : جاءني عمرو ليس معه زيد.
ويلزم للاستثناء إسقاط الواو من ليس ؛ لأنها تنوب عن إلا ، ولا يدخل في إلا الواو ، فلم يدخل في ليس للاستثناء ، وإذا جعلت ليس ، ولا يكون صفة فهي من كلام واحد ، وموضعهما من الإعراب موضع الاسم الذي هي صفته.
فإذا قلت : ما أتتني امرأة لا تكون فلانة ، فموضع لا تكون رفع ؛ لأنها صفة امرأة ، وإذا قلت : ما مررت بامرأة لا تكون فلانة خفض ، وإذا قلت : ما رأيت امرأة لا تكون فلانة ، فموضعها نصب ، وكذلك إذا قلت ما أتتني امرأة ليست هندا.
وأما (عدا) و (خلا) فإذا نصب ما بعدهما فهما فعلان يجريان مجرى (ليس) و (لا يكون) في الاستثناء ، ولا يجريان مجراهما في الصفة ، تقول : أتاني القوم عدا زيدا وما أتاني القوم خلا زيدا ، على تقدير : عدا بعضهم زيدا ، وخلا بعضهم زيدا بمنزلة : جاوز بعضهم زيدا ، ولا تقول : ما أتتني امرأة عدت هندا ، ولا مررت بامرأة خلت دعدا. وإنما لم يوصف بهما كما وصف ب (ليس) و (لا يكون) ؛ لأن (ليس) و (لا يكون) من ألفاظ الجحد المحض ، وهما يرفعان الاسم وينصبان الخبر كما ترفع بالفعل الفاعل وتنصب المفعول ، فإذا وصفنا بهما فهما على بابهما في اللفظ ، وعلى حكم الاستثناء في مخالفة ما بعدهما لما قبلهما لما فيهما من الجحد.
و (حلا) و (عدا) ليسا لفظي جحد. فأما (خلا) فإنها لا تتعدى إلى مفعول إلا في الاستثناء ، فإذا قلنا : ما مررت بامرأة خلت هندا فهو على خلاف ما عليه لفظ (خلا) في التعدي.
وأما (عدا) وإن كان متعديا فليس بلفظ جحد ونفي ، فيكون كالاستثناء في الخلاف الذي بين ما قبله وما بعده ، وإنما علّ على الاستثناء بضرب من التأويل والحمل على المجاوزة ؛ ومعناها : الخروج عن الشيء والتخليف له.
وقد سأل سائل : لم لم يستثن ب (جاوز) كما استثنى ب (عدا) و (خلا) ، ف (جاوز) أبين وأجلى في المعنى؟ وإليه ردّ سيبويه : (عدا) و (خلا) لمّا مثّلهما.
فالجواب : أنّ اللفظين قد يجتمعان في معنى ، ويختص أحدهما بموضع لا يشاركه فيه الآخر ؛ كالعمر والعمر في البقاء ، ثم يختصّ العمر باليمين. وله نظائر كثيرة تجري هذا