قال أبو سعيد : الأصل في الاستثناء إلا ، وسائر ما يستثنى به من اسم أو فعل أو حرف موضوع موضع إلا ؛ والدليل على ذلك أنها تكفي من ذكر المستثنى منه في قولك : ما قام إلا زيد.
ويقع موقعها غير ؛ لأنها تعرب إعراب الاسم الذي يقع بعد إلا ، وهي مضافة إلى ذلك الاسم ، ولا يستثني بما سوى إلا وغير إلا والمستثنى منه مذكور في الكلام. لا يجوز أن تقول : ما جاءني لا يكون زيدا ، ولا ما جاءني ليس زيدا.
وقد تبيّن تمكّن إلا في الاستثناء ، وأنها الأصل ، وفي هذه الأشياء معنى إلا ، وهي تعمل كعملها في أنفسها قبل أن توضع موضع إلا.
فأما ليس ولا يكون فإنّا لمّا رأينا الأفعال لا تنصب إلا ومعها فاعلوها ، وعلم أنّ مع ليس ، لا يكون فاعلين ، وكان إضمار بعض المذكورين فيهما لا يخرجهما عن معنى ما أريد بهما من الاستثناء ، قدّرنا فيهما ، وأجريناهما على عملهما قبل أن يجعلا في موضع الاستثناء ، وكأنّا لما قلنا قام القوم احتمل أن يكون قام بعضهم ، وبعضهم لم يقم ، كما يجوز إرادة الخاصّ باللفظ العام ، والبعض الذي قام هم. القوم الذين ارتفعوا بالفعل ، والبعض الذي لم يقم هم المستثنون.
وذهب الكوفيون إلى أنّ المضمر فيها المجهول ، وهو كناية عن الفعل ، والاسم في موضع الفعل أيضا. كأنه قال : ليس فعلهم فعل زيد.
والذي قدّره البصريون أولى ؛ لأنه أقلّ إضمارا ؛ لأنّ الكوفيين أضمروا مضافا إلى زيد محذوفا ، وليس ذلك في تقدير البصريين.
وأما موقع ليس ولا يكون من الكلام فإنه يحتمل شيئين :
أحدهما : أن يكون من كلام غير الأول ، كأنه عقّب الكلام الأول بجملة بيّن بها خصوصا لعموم الكلام الأول ، كما يقول القائل : جاءني القوم وما أريد زيدا ولا أعنيه ، وجاءني الناس وما جاءني زيد.
وقد تأتي جملة بعد جملة يكون في الثانية من التخصيص ما يكون بمنزلة الاستثناء من الأول. قال الله عزوجل : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)(١) ، ثم قال بعد ذلك بغير لفظ الاستثناء : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) فقام ذلك مقام : إلّا أن يكون له إخوة فيكون لها السّدس.
__________________
(١) سورة النساء ، من الآية ١١.