امرأة ليست فلانة ، لو لم يجعلوه صفة لم يؤنّثوا ؛ لأنّ الذي لا يجيء صفة فيه إضمار مذكّر. ألا ترى أنهم يقولون : أتينني لا يكون فلانة وليس فلانة ، يريد : ليس بعضهن فلانة ، فالبعض مذكر.
وأما عدا وخلا فلا يكونان صفة ، ولكن فيهما إضمار كما كان في ليس ولا يكون ، وهو إضمار قصته فيهما كقصته في ليس ولا يكون. وذلك قولك : ما أتاني أحد خلا زيدا ، وأتاني القوم عدا عمرا ، كأنك قلت : جاوز بعضهم زيدا ، إلّا أنّ خلا وعدا فيهما معنى الاستثناء ، ولكني ذكرت جاوز لأمثّل لك به ، وإن كان لا يستعمل في هذا الموضع.
وتقول : أتاني القوم ما عدا زيدا ، وأتوني ما خلا زيدا. وما هاهنا اسم ، وخلا وعدا هاهنا صلة له كأنه قال : أتوني ما جاوز بعضهم زيدا ، وما هم فيها ما عدا زيدا ، كأنه قال : ما هم فيها ما جاوز بعضهم زيدا ، وكأنه قال : إذا مثّلت ما خلا وما عدا فجعلته اسما غير موصول قلت : أتوني مجاوزتهم زيدا ، مثّلته بمصدر ما هو في معناه ، كما فعلته فيما مضى. إلا أنّ جاوز لا يقع في الاستثناء.
وإذا قلت : أتوني إلا أن يكون زيد ، فالرفع جيد بالغ ، وهو كثير في كلامهم ؛ لأنّ يكون صلة أن ، وليس فيها معنى الاستثناء ، وأن يكون في موضع اسم مستثنى. كأنك قلت : لا يأتونك إلا أن يأتيك زيد.
والدليل على أنّ يكون هاهنا ليس فيها معنى الاستثناء : أنّ ليس وعدا وخلا لا يقعن هاهنا.
ومثل الرفع قول الله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) [النساء : ٢٩] منكم وبعضهم ينصب على وجه النصب في لا تكون ، والرفع أكثر.
وأما حاشا فليس باسم ، ولكنه حرف يجرّ ما بعده كما تجرّ حتى ما بعدها ، وفيه معنى الاستثناء. وبعض العرب يقول : أتاني القوم خلا عبد الله فيجعل خلا بمنزلة حاشا فإذا قلت : ما خلا فليس فيها إلا النصب ؛ لأنّ ما اسم ، ولا يكون صلتها إلّا الفعل هنا ، وهي ما التي في قولك : افعل ما فعلت. ألا ترى أنك لو قلت : أتوني ما حاشا زيدا لم يكن كلاما؟
وأما أتاني القوم سواك ، فزعم الخليل أنّ هذا كقولك : أتاني القوم مكانك ، وما أتاني أحد مكانك ، إلا أنّ في سواك معنى الاستثناء.