وتقول : عجبت من ضرب زيد أنت ، ومن ضربك هو ، إذا جعلت زيدا مفعولا ، وجعلت المضمرّ الذي علامته الكاف فاعلا ، فجاز أنت هاهنا للفاعل كما جاز إيّا للمفعول ؛ لأن إيّا وأنت علامتا الإضمار ، وامتناع التاء يقوّي دخول أنت هاهنا.
وتقول : قد جئتك فوجدتك أنت أنت ، فأنت الأولى مبتدأة ، والثانية مبنية عليها ، كأنك قلت : فوجدتك وجهك طليق. والمعنى : أنك أردت أن تقول : فوجدتك أنت الذي أعرف.
ومثل ذلك : أنت أنت ، وإن فعلت هذا فأنت أنت ، أي فأنت الذي أعرف ، أو أنت الجواد والجلد ، كما تقول : الناس الناس ، أي الناس بكلّ مكان وعلى كل حال كما تعرف.
وإن شئت قلت : قد ولّيت أمرا فكنت أنت إياك ، وقد جربتك فوجدتك أنت إياك ، جعلت أنت صفة ، وجعلت إياك بمنزلة الظريف إذا قلت : وجدتك أنت الظريف ، والمعنى أنك أردت أن تقول : وجدتك كما كنت أعرف. وهذا كله قول الخليل ، سمعناه منه.
وتقول : أنت أنت ، تكررها ، كما تقول للرجل : أنت ، وتسكت على حد قوله : قال الناس : زيد. وعلى هذا الحد تقول : قد جرّيت فكنت كنت إذا كررتها توكيدا ، وإن شئت جعلت أنت صفة ، وفي نسخة أبي بكر مبرمان : فكنت أنت ، وعليه يستقيم الكلام.
قال أبو سعيد : قد ذكرنا أنّ من مواضع الضمير المنفصل تقديمه على المعامل ، والفصل بينه وبينه بحرف الاستثناء وحرف العطف ، فالتقديم كقوله عزوجل : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(١) ، والاستثناء قوله : (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)(٢) ، والعطف قوله : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ)(٣) ، (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤).
وإذا قلت : (إنّ زيدا رأيت) ففي نصب (زيد) وجهان :
أحدهما : أن تنصبه ب (إنّ) وتضمر في (رأيت) الهاء العائدة إليه.
والآخر : أن تنصبه ب (رأيت) وتقدر في (إنّ) الهاء على تقدير (إنه) ، وجميعا غير
__________________
(١) سورة الفاتحة ، الآية : ٥.
(٢) سورة الإسراء ، من الآية : ٦٧.
(٣) سورة الممتحنة ، من الآية : ١.
(٤) سورة سبأ ، من الآية : ٢٤.