أو حرة عيطل ثبجاء مجفرة |
|
دعائم الزور نعمت زورق البلد (١) |
وأما (حبذا) فإن (حب) فعل (وذا) فاعل ، وبني معه وجعلا جميعا بمنزلة شيء واحد يقع موقع اسم مبتدإ في الواحد والاثنين والجماعة والمؤنث والمذكر بلفظ واحد في معنى المدح والحمد.
فإذا قيل : حبذا زيد فكأنه قال : المحمود زيد ، وإذا قال : حبذا الزيدان فكأنه قال : المحمودان الزيدان ، وإذا قال : حبذا هند فكأنه قال : المحمودة هند ، وإذا قال حبذا الهندات فكأنه قال : المحمودات الهندات.
وناب لفظ (حبذا) عن ذلك كله وجرى مجرى الفعل للذي جعل مع الحرف كشيء واحد ، فجرى مع الواحد والاثنين والجماعة والمؤنث والمذكر على لفظ واحد ، وذلك (هلمّ) في لغة أهل الحجاز للرجل الواحد والاثنين والجماعة ، قال الله تعالى : (وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا)(٢).
وذكر من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي أسماء ليبين حكمها ومواقعها.
والذي ذكر : أحد وكرات وأرم وكتيع وعريب ، ومثله : ما بالدار دبيح ودبى وطويّ وطوري وطرأني ، ولا يقعن إلا في المواضع التي ذكرها من النفي.
وقد يصحّ في النفي ما لا يصح في الإيجاب كقولك : مررت برجل قائم ولا مضاجع ، وزيد لا أسود ولا أشقر. ولا يجوز : مررت بقائم مضطجع وزيد أسود أشقر.
وإنما كان كذلك لأنه يجوز نفي الضرين في الأشياء التي يتعاور فيها ثلاثة أضداد فصاعدا. والموجود منه واحد والماضي منفي كالألوان والأكوان في الأماكن ؛ لأن الألوان كثيرة كالسواد والبياض والحمرة والخضرة والصفرة وغير ذلك ، ولا يكون الشيء إلا على واحد منها موجود فيه ، وكذلك أكوان الأماكن كثيرة غير محصلة نحو كونه ببغداد بالكوفة وبمكة وبمصر وأندلس ، ولا يوجد إلا في واحد منها.
ويجري مجرى هذا من غير الأناس ما عليها من الحلي : هلبسيسة ولا خربصيصة وما به ظبظاب (٣) وما به وذية (٤) ، وغير ذلك مما تحيط به كتب اللغة.
__________________
(١) البيت في ديوانه ١٤٦ ، وابن يعيش ١٣٦ ، والخزانة الشاهد ٧٦٩.
(٢) سورة الأحزاب ، من الآية ١٨.
(٣) ما به ظبظاب : ما به قلبه : داء يتقلب منه على فراشه.
(٤) ما به وذية : إذا شفي من المرض.