وأمّا قط ، ولدن ، وعن فإنهن تباعدن من الأسماء ، ولزمهنّ ما لا يدخل الأسماء المتمكنة ، وهو : السكون فإنّما يدخل ذلك الفعل نحو : خذ وزن ، فضارعت الفعل وما لا يجرّ ، وهو ما أشبه الفعل ، فأجريت مجراه ولم يحرّكوه".
قال أبو سعيد : اعلم أن (ني) في ضمير المنصوب النون فيه زائدة ، والضمير الياء ، والنون مجتلبة لعلّة ؛ وهي أنهم حرسوا أواخر الأفعال من دخول كسرة عليها ؛ لتباعد الأفعال من الجر ، والكسرة لفظها لفظ الجر ، وذلك أن ياء المتكلم يكسر ما قبلها إذا كان مما يحرك ، فلما كرهوا كسر الفعل وآثروا سلامة لفظه أدخلوا قبل الياء نونا تقع عليها الكسرة التي تحدثها الياء ، وذلك قولك : ضربني ويضربني وأكرمني ويكرمني ، وأدخلوا النون أيضا فيما كان من الفعل المعتل الذي لا يتحرك آخره كقولك : أعطاني يعطيني ويدعوني ويخشاني ، ونحو ذلك ؛ لأن النون لمّا لزمت في جميع الأفعال الصحيحة لما ذكرناه صار لفظ النون مع الياء كأنه الضمير.
وأيضا فإن من المعتل ما في آخره واو ساكنة ك (يدعو ويعدو) ، وإذا دخلت الياء وجب قلب الواو ياء ، كما يجب في الأسماء إذا قلت : هذه عشري ، وهؤلاء ضاربي ، والأصل : عشروي وضاربوي. وقد بين سيبويه أن دخول النون في الفعل إنما هو لكراهية الكسر في الفعل ، ومنعهم إياه الكسر ، كما منعوه الجر بقوله : وإنما قالوا في الفعل : ضربني ويضربني ؛ كراهية أن يدخلوا الكسر في هذه الباء كما يدخل الأسماء ، فمنعوه أن يدخله كما منع ...
وأجاب من عارضه بكسرة : اضرب الرّجل ، بأنها كسرة تحدث لالتقاء الساكنين ولا يعتدّ بها.
ولما أجريت إنّ وأخواتها مجرى الفعل لزمها من علامة الضمير ما يلزم الفعل ، إلا أنّ العرب قد تكلمت فيها بإسقاط النون منها ، وأكثر ذلك في : إنّ ، وأنّ ، وكأن ، ولعل ، فقالوا : إنّني ، وإنّي ، وكأنني ، وكأني ، ولعلني ، ولعلي ، وفي علة حذفها أقاويل للنحويين.
فأما سيبويه فاعتلّ لحذفها أنها كثرت في كلامهم ، ولاجتماع النونات ، وهم مستثقلون التضعيف ، ولعل وإن لم يكن آخرها نونا فإن اللام قريب من النون ، ولقربها من النون تدغم النون فيها ، ولا تدغم في النون غير اللام من بين الحروف.
وأما ليت فلم يكن في آخرها نون ولا حرف يشبه النون ويقرب منها ، فلزمتها النون فقالوا : ليتني ، وقلّ في كلامهم ليتي ، إلا عند الضرورة.
وجواز الحذف مع ذلك في هذه الحروف ؛ لأنها وإن كانت مشبّهة ليست بأفعال ،