عطفت فعلا على فعل لا يشاكله في معناه ، ولا يدخل عليه حرف النهي كما دخل على الذي قبله ، استحق النصب بالخلاف ، كما استحق ذلك الاسم المعطوف على ما لا يشاكله في قولهم : لو تركت والأسد لأكلك ، من قبل أن الأفعال فروع الأسماء ؛ فإذا كان الخلاف في الأصل يوجب النصب ، كان ذلك قائما صحيحا في الفرع.
والخلاف الذي يوجب النصب في الأسماء عندهم أشياء منها :
نصب الظروف بعد الأسماء. كقولك : زيد خلفك ، وزيد عندك ، لما خالف (خلفك) و (عندك) ما قبلهما انتصبا بالخلاف ، وقد تكلمت على هذا فيما مضى.
ومنها ما قاله الفراء وأصحابه : لو تركت والأسد لأكلك ، (الأسد) منصوب على الخلاف في (التاء) ، لأنه لا يصلح أن يقال : لو تركت وترك الأسد ، من قبل أن الأسد لا يقدر عليه فيمسك ويترك ؛ ثم قال بعد هذا : فإذا قالت العرب : لو ترك زيد والأسد لأكله ، آثروا الرفع لموافقة الأسد زيدا ، لأنها ظاهران)).
قال أبو سعيد : إن كان مخالفة الثاني للأول ؛ لأن الأول مكني والثاني ظاهر ، فلا فرق بين (لو تركت والأسد) وبين (ضربت وزيد) و (قمت وزيد) أكّد الضمير أو لم يؤكّد ؛ وإن كان الخلاف بين الأول والثاني لأن التّرك في الأول على غير وجه ترك الثاني ، فلا فرق بين الاسمين الظاهرين وبين الاسمين إذا كان أحدهما مضمرا في مخالفة أحدهما للآخر في الترك.
واحتجاج الذي احتج للخلاف بأنه لا يصلح أن يقال : لو تركت وترك الأسد من قبل أن الأسد عليه فيمسك ويترك ركيك جدا ، لأن الخلاف إذا كان من أجل أن الأسد لا يقدر عليه ، إذا قلنا : لو ترك زيد والأسد ، وهذا كلام صدر عن غير تأمّل.
ومما يفسر قول من جعل النصب بالخلاف في الأسماء ، وقاس الفعل عليه ، العطف الذي يوفق بين الإعرابين ، ويخالف بين المعنيين في الأسماء ، وذلك قولك : ما مررت بزيد لكن بعمرو ، وما قام زيد لكن عمرو وما رأيت زيدا لكن عمرا ؛ وما بعد (لكن) يخالف ما قبلها ؛ وكذلك (لا) في العطف إذا قلت : جاءني زيد لا عمرو ، ومررت بزيد لا عمرو ورأيت زيدا لا عمرا.
وأما أبو عمر الجرمي فقد احتج عليه أبو العباس محمد بن يزيد وغيره بما احتج به سيبويه ، وذلك أن سيبويه قال : لو كانت (الفاء) و (الواو) و (أو) ينصبن لأدخلت عليها (الفاء) و (الواو) للعطف ؛ فلزم الجرمي مما قال سيبويه أن يقول : ما أنت بصاحبي فأكرمك ، وفأحدثك ، لأن (الفاء) هي الناصبة.