بعدهنّ من الأسماء ما أحدثت (إنّ وكان) وأشباههما لأنهما من الحروف التي تدخل على المبتدإ والمبني عليه ، فلا تغيّر الكلام عن حاله ، وسأبين لك كيف ذهب الجزاء فيهنّ إن شاء الله.
فمن ذلك قوله : أتذكر إذ من يأتينا نأتيه ، وما من يأتينا نأتيه ، وأما من يأتينا فنحن نأتيه.
وإنما كرهوا الجزاء هاهنا لأنه ليس من مواضعه ، ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول : أتذكر إذ إن تأتنا نأتك ، كما لم يجز أن تقول : إنّ إن تأتنا نأتك ، فلما صار هذا الباب باب (إنّ وكان) كرهوا الجزاء فيه ، وقد يجوز في الشعر أن يجازى بعد هذه الحروف ، فيقول : أتذكر إذ من يأتنا نأته ، وإنما أجازوه لأنّ (إذ) وهذه الحروف تغير ما دخلت عليه عن حاله قبل أن تجيء بها ، فقالوا : ندخلها على من يأتنا نأته ، وتغيّر الكلام ، كأنا قلنا : من يأتنا نأته ، كما أنا إذا قلنا : إذ عبد الله منطلق كأنا قلنا : عبد الله منطلق ؛ لأنّ (إذ) لم تحدث شيئا لم يكن قبل تذكرها.
فقال لبيد :
على حين من تلبث عليه ذنوبه |
|
يجد فقدها وفي المقام تدابر (١) |
ولو اضطر شاعر فقال : أتذكر إذ إن تأتنا نأتك جاز له ، كما كان في (من) وتقول : أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته ، فنحن فصلت بين (إذ) و (من) ، كما فصل الاسم في كان بين (كان) و (من). وتقول : مررت به فإذا من يأتيه يعطيه. وإن شئت جزمت لأن الإضمار يحسن هاهنا ، ألا ترى أنك تقول : مررت به فإذا أجمل الناس ، ومررت به فإذا أيّما رجل. فإذا أردت الإضمار فكأنك قلت : فإذا هو من يأته يعطه ؛ فإن لم تضمر ، وجعلت إذا هي لمن ، فهي بمنزلة (إذ) لا يجوز فيها الجزم.
وتقول : لا من يأتك تعطه ولا من يعطك تأته من قبل أن (لا) ليست كإذ وأشباهها ، لأنها لغو بمنزلة (ما) في قول الله ـ تبارك وتعالى ـ (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٢) فما بعده كشيء ليس قبله لا ، ألا تراها تدخل على المجرور فلا تغيّره عن حاله ، تقول : مررت برجل لا قائم ولا قاعد ، وتدخل على النصب فلا تغيره عن حاله
__________________
(١) البيت في ديوانه ٢١٧ ؛ الخزانة ٣ / ٦٤٩ ؛ الكتاب ٣ / ٧٥.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٩.