فإنما هو كقولك : أما غدا فلك ذاك. فحسنت لأنه لم يجزم بها ، كما حسنت في قوله : ((أنت ظالم إن فعلت)).
وأبو الحسن يراه جوابا لهم جميعا ، ولا يجيز ذلك إذا جزم لأنه يخلص الجواب للجزاء.
قال أبو سعيد :
((أما كراهة المجازاة بعد (إذ) ففي لفظ سيبويه ما يدل على أن من قبله كره ذلك ، إما من النحويين وإما من العرب ، ولعلهم كرهوا ذلك من أجل أن (إذ) اسم للوقت ، وكان حقه أن يضاف إلى اسم واحد ، وما يضاف إلى اسم واحد لا يقع بعده مجازاة لأنه يجر ما بعده ، وموضع المجازاة لا يكون مجرورا بما قبله ، وقد مض الكلام في ذلك ، ثم أجازه في الشعر لوقوع الاسم المبتدأ والخبر بعده ، وبعد ما كان في معناه من أسماء الزمان ، وأنشد قول لبيد :
عل حين من تلبث عليه ذنوبه |
|
يجد فقدها وفي المقام تدابر (١) |
ويروى : تداثر ، وهذا مثل ، وإنما يصف لبيد مجلسا فاخر فيه القبائل بين يدي بعض الملوك فظهر عليهم وغلبهم وذلك قوله :
وزدت معدّا والعباد وطيّئا |
|
وكلبا كما زيد الخماس البواكر (٢) |
على حين من تلبث عليه ذنوبه.
أراد شدة الكلام في المجالس ، وإن من أبطأت عنه الحجة في الامتحان فقد غلب ، ومعنى تداثر : تزاحم وتكاثر ، ومعنى تدابر تقاطع ، لأن ما هم فيه من الشدة يحملهم على أن لا يلوي الواحد منهم على قرابته ويحمله على أن يقاطعه فإذا كان بعد (إذ) اسم حسن بعد ذلك الاسم المجازاة كقولك : أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته ، لأن (نحن) في موضع مبتدإ وما بعده خبره ، فصار كقولك : زيد من يأته يكرمه ، وعلى هذا الوجه استحسن سيبويه مررت به فإذا من يأته يعطه على تقدير فإذا هو من يأته يعطه ، وإضمار (هو) كثير بعد إذ مستحسن ، كقولك : مررت به فإذا أجمل الناس ، ومررت به فإذا أيما رجل على معنى فإذا هو أجمل الناس ، وإذا هو أيما رجل ، وإن لم تقدّر (هو) بعد إذا قلت مرت به فإذا من يأتيه يعطيه ، (من) بمعنى الذي ، ويأتيه صلتها ، ويعطيه خبرها ، وهو بمنزلة (فإذا زيد
__________________
(١) البيت سبق تخريجه.
(٢) البيت ورد منسوبا للبيد بن ربيعة في ديوانه ٢١٦ ، الخزانة ٩ / ٦٣.