وذلك لأن الفعل إنما يصل إلى الاسم بالباء ونحوها ، فالفعل مع الباء بمنزلة فعل ليس قبله حرف جر ، ولا بعده ، فصار الفعل الذي يصل بإضافة كالفعل الذي لا يصل بإضافة ؛ لأن الفعل يصل بالجر إلى الاسم كما يصل غيره رافعا وناصبا فالجر هاهنا نظير الرفع والنصب في غيره.
فإن قلت : بمن تمرّ به أمرّ ، وعلى من تنزل عليه أنزل ، وبما تأتيني به آتيك ، رفعت لأن الفعل إنما أوصلته إلى الهاء بالباء الثانية ، والباء الأولى للفعل الآخر ، فتغيّر عن حال الجزاء ، كما تغير عن حال الاستفهام ، فصارت بمنزلة (الذي) لأنك أدخلت الباء للفعل خبرا وصلت الفعل الذي يلي الأسماء بالباء الثانية إلى الهاء ، فصارت الأولى ك (كان) و (إنّ) وعملت الباء فيما بعدها عمل كان وإنّ فيما بعدهما.
وقد يجوز أن تقول : بمن تمر أمر ، وعلى من تنزل أنزل ، إذا أردت معنى عليه وبه وليس بحدّ الكلام وفيه ضعف ، ومثل ذلك قول الشاعر ، وهو بعض الأعراب :
إنّ الكريم وأبيك يعتمل |
|
إن لم يجد يوما على من يتّكل (١) |
ويقول : غلام من تضرب أضربه ، لأن ما يضاف إلى من بمنزلة من ، ألا ترى أنك تقول : أبو أيّهم رأيته. وتقول : بغلام من تؤخذ أوخذ به ، كأنك قلت : بمن تؤخّذ أؤخذ به ، وحسن الاستفهام هاهنا يقوّي الجزاء ، تقول : غلام من تضرب ، وبغلام من مررت ، ألا ترى أن كينونة الفعل غير واصل ثانية.
ويقول : بمن تمرر أمرر به ، وبمن تؤخذ أوخذ به ، فحدّ الكلام أن تثبت الباء في الآخر ، لأنه فعل لا يصل إلا بحرف إضافة يدلك على ذلك أنك لو قلت :
من تضرب أنزل لم يجز حتى تقول : عليه ، إلا في شعر.
فإن قلت : بمن تمرر أمرر ، وبمن تؤخذ أؤخذ ، فهذا أمثل ، وليس بحد الكلام ، وإنما كان في هذا أمثل ، لأنه قد ذكر الباء في الفعل الأول فعلم أن الآخر مثله لأنه ذلك الفعل.
قال أبو سعيد :
قد تقدم أن الاسم الذي يجازى به إذا عمل فيه ما قبله بطلت المجازاة ، إلا يكون
__________________
(١) البيت في الخزانة ٤ / ٢٥٢ ؛ الكتاب ٣ / ٨١.