وأحسن الكلام (أن تقول : إن تأتني لا آتك ، كما أن أحسن الكلام إن أتيتني لم آتك) وذلك أن لم أفعل نفي فعل ، وهو مجزوم بلم ولا أفعل نفي أفعل ، وهو مجزوم بالجزاء ، فإذا قلت : إن تفعل ، فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل لأنه نظيره من الفعل.
وإذا قلت : إن فعلت فأحسن الكلام أن تقول : فعلت لأنه مثله ، فكما ضعف فعلت مع أفعل ، وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع يفعل ، لأن لم أفعل نفي فعلت ، وقبح لا فعلت مع فعل لأنها نفي أفعل.
واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله : إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف ، وهو نحو من قوله :
وألحق بالحجاز فاستريحا (١)
فهذا يجوز ، وليس بحد الكلام ، ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا.
لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل ، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه ، وإن كان معناه كمعنى ما قبله إذا قلت وأعطيك ، وإنما هو في المعنى كقوله : أفعل إن شاء الله ، يوجب الاستثناء ، قال الأعشى فيما جاز من النصب :
ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى |
|
مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا |
وتدفن منه الصالحات وإن يسئ |
|
يكن ما أساء النار في رأس كبكبا (٢) |
قال أبو سعيد : ما يقع بين فعلي الشرط والجزاء المجزومين من الفعل عل قسمين :
أحدهما مخالف لمعنى فعل الشرط والآخر معناه وتأويله معنى فعل الشرط ، فإذا كان معناه وتأويله مخالفا لفعل الشرط لم يجز فيه غير الرفع ، وموقعه موقع الحال ، وكذلك ارتفع لأنه يحسن في موضعه الاسم كقولك : إن تأتني تضحك أحسن إليك ، وإن تأتنا تسألنا نعطك ، لأن تقديره إن تأتني ضاحكا ، وإن تأتنا سائلا ، وليس تضحك في معنى تأتنا ولا في تأويله ، وكذلك السؤال ليس في معنى الإتيان ، وإذا كان الفعل الواقع بين الشرط والجواب في معنى فعل الشرط وتأويله جاز فيه الرفع والجزم ، أما الرفع فعلى تقدير
__________________
(١) عجز بيت سبق تخريجه.
(٢) البيت في ديوانه ٨٨ ، الكتاب ٣ / ٩٢ ؛ المقتضب ٢ / ٢٢.