يحفرها ، فإذا لم تذكر (أن) جعلوا المعنى بمنزلتها في : عسينا نفعل ، وهو في الكلام قليل لا يكادون يتكلمون به وإذا تكلموا به فالفعل كأنه في موضع اسم منصوب كأنه قال : عسى زيد قائلا ذاك ، ثم وضع (يقول) في موضعه ، وقد جاء في الشعر قال طرفة ابن العبد :
ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى |
|
وأن أشهد اللّذّان هل أنت مخلدي (١) |
وسألته عن قول الله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ)(٢).
فقال : تأمروني ، كقولك : هل يفعل ذاك بلغني ، فبلغني لغو ، وكذلك تأمروني كأنه قال فيما تأمروني ، كأنه قال : فيما بلغني ، وإن شئت كان بمنزلة :
ألا أيّهّذا الزّاجري أحضر الوغى
قال أبو سعيد : جزم جواب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض بإضمار شرط في ذلك كله ، والدليل على ذلك قول إن الأفعال التي تظهر بعد هذه الأشياء ، إنما هي ضمانات يضمنها ويعد بها الآمر والناهي والمستفهم والمتمني والعارض ، وليست بضمانات مطلقة ، ولا عدات واجبة على كل حال ، وإنما هي معلقة بمعنى : إن كان ووجد وجب الضمان والعدة ، وإن لم يوجد لم يجب ، ألا ترى أنه إذا قال : ائتني آتك ، لم يلزم الآمر أن يأتي المأمور إلا بعد أن يأتيه المأمور ، وإذا قال : أين بيتك أزرك لم يلزمه الزيارة إلا بعد أن يعرف بيته ، ولفظ الأمر والاستفهام لا يدل على هذا المعنى ، والذي يكشفه لفظ الشرط ، فوجب تقديره بعد هذه الأشياء ، والذي يقدّر في ذلك من الشرط ما كان موافقا للفظ الأمر والنهي ، ولما يستدعيه ويقتضيه بالاستفهام والتمني والعرض.
فقولك : ائتني آتك يقدر بعد قولك : ائتني ، إن تأتني فآتك ، وتقول في النهي : لا تدن منه يكن خيرا لك تقديره : لا تدن منه إلا تدن منه يكن خيرا لك ، وفي الاستفهام ألا تأتيني أحدّثك يقدّر بعدها :
إن تأتني أحدّثك ، وأين تكون إن أعرف مكانك أزرك ، وفي التمني ألا ماء أشربه ، وليته عندنا يحدّثنا ، كأنه قال : ألا ماء إن أجده أشربه ، وليته عندنا إن يكن عندنا يحدّثنا ، وفي العرض ألا تنزل تصب خيرا ، وهذه الأشياء التي ذكرناها من الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض تغني عن ذكر الشرط ، ويكتفى بذكرها عن ذكره ، فلذلك
__________________
(١) البيت في ديوانه ، الكتاب ٣ / ٩٩ ؛ والمقتضب ٢ / ٨٥.
(٢) سورة الزمر ، الآية : ٦٤.