قال سيبويه في أول الكتاب : وأما القبيح المستقيم ، فقولك :
قد زيدا رأيت ، وقد فصلوا بينها وبين الفعل أيضا بالقسم ، كقولك : قد لعمري بت ليلى ساهرا ، وقد والله أحسنت ، وحسن في (قد) الفصل ، ولم يحسن الفصل بين الألف واللام ، وبين ما دخلتا عليه ؛ لأن (قد) تنفرد ، ولا يذكر بعدها شيء فقويت بذلك ، واحتمل الفصل لقول النابغة :
أقد التّرحّل غير أنّ ركابنا |
|
لمّا تزل برحالها وكأن قد (١) |
وقال :
تفريق أفي اليوم تقويض الأحبة أم غد |
|
لما تبن وجها لهم وكأن قد |
ومنه السين ، وسوف من الفعل المستقبل كمنزلة الألف واللام في تلخيص الفعل المستقبل ، وقصره عليه كقصر الألف واللام للاسم المذكور على شيء بعينه ، ووجه آخر أن السين ، وسوف هما إثبات (لن) و (لن) نقيضتهما ، ولا يفصل بين (لن) وما تدخل عليه ، فكذلك السين ، وسوف ، وأما (ربما) و (قلما) فإن الأصل فيهما (رب). وقل : فأما (رب) فهي حرف خفض لا يجوز أن يليها فعل ولا تدخل حروف الخفض على الأفعال ، وأما (قل) فهي فعل ، ولا يليها فعل ، لأن الفعل لا يعمل في الفعل ، وإنما حق الأسماء أن تقع بعدها ، فإذا أرادوا بعدها أن تقع الأفعال أدخلوا (ما) وجعلوها مع (الذي) قبلها شيئا واحدا بمعنى حرف مهيّأ للفعل بعده ، ولا تعمل شيئا ، وجعلوا فيه المعنى الذي يريدونه ، كما جعلوا (هلا) و (لو ما) و (لو لا) وما شابهها ما أرادوها ، ويجوز أن يكون أدخلوا (ما) وهي اسم ، وأتوا بالفعل بعدها فصار الفعل صلة لها فانتصب و (رب) واقعة على اسم تقديره أنه مخفوض ب (رب) ، قل واقعة على اسم تقديره أنه مرفوع ب (قد) ، وذلك قولك : ربما يقوم زيد.
وقال الله عزوجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٢) ويقول : قلما يقوم زيد ، فهذا وجه الكلام فيها ، وقد تجعل (ما) زائدة ، وبعدها اسم مخفوض ب (رب) ، كقولك : ربما رجل خلصته من السبع.
قال الشاعر :
__________________
(١) البيت في ديوانه ٨٩ ، ابن يعيش ٨ / ١٤٨ ؛ المقتضب ١ / ٤٢.
(٢) سورة الحجر ، الآية : ٢.