واعلم أنه ليس بحسن ل" أنّ" أن تلي" إنّ" ولا" أن" كما قبح ابتداؤك الثقيلة المفتوحة وحسن ابتداء الخفيفة ؛ لأن الخفيفة لا تزول عن الأسماء والثقيلة تزول. فتبتدأ ومعناها مكسورة ومفتوحة سواء.
ألا ترى أنك لا تقول : " أنّ أنّك ذاهب" ولا عرفت أن أنك منطلق في الكتاب" وإنما قبح هاهنا كما قبح في الابتداء ، ألا ترى أنه يقبح أن تقول : أنك منطلق بلغني أو عرفت. لأن الكلام بعد أن مستغن كما أن المبتدأ غير مستغن. وإنما كرهوا ابتداء أن لئلا يشبهوها بالأسماء التي تعمل فيها أن. ولئلا يشبهوها" بأن" الخفيفة لأن" أن" والفعل بمنزلة مصدر فعله ينصبه والمصادر تعمل فيها" إنّ" و" أنّ".
ويقول الرجل للرجل : لم فعلت ذلك؟ فيقول : لم أنه ظريف. كأنه قال : قلت لمه؟ قلت : لأن ذلك كذلك. أراد بقوله : لم حكاية قوله : لم فعلت؟ ثم قال لأنه ظريف أي لأن ذلك كذلك.
وتقول إذا أردت أن تخبر ما يعني المتكلم : أي إني نجد. إذا ابتدأت. كما تبتدئ : أي أنا نجد وإن شئت قلت : أني نجد كأنك قلت : أي لأني نجد.
قال أبو سعيد : قوله : " فأن" مبنية على" لو لا" يريد أنّها : معقودة بلو لا في المعنى الذي يقتضيه" ولو لا" مقدمة عليه وليست بعاملة فيه. لأن الاسم بعد" لو لا" يرتفع بالابتداء لا" بلو لا" ولزومها للاسم الذي بعدها للمعنى الذي وضعت عليه كلزوم العامل للمعمول به فشبهت به ففتحت" أنّ" ولم تكسر. لأن" إن" المكسورة إنما تدخل على مبتدأ مجرد لم يغيّر معناه بحرف قبله ، وقد ذكرنا هذا في الباب الذي قبل هذا الباب ، ولم يرد هو أيضا بقوله : " فأن" مبنية على" لو" أنها مبنية عليها بناء معمول على عامله ، لأن" لو" لا تعمل شيئا. وإنما هو : بناء الشيء على ما يحدث فيه معنى ولم يغير لفظه ففتح" أنّ" بعد" لو" كفتحها بعد" لو لا". وذلك أنهما يتقاربان في المعنى واللفظ ويلزمان ما بعدهما للمعنى الذي أحدثاه كلزوم العامل لما بعده وتقاربهما في المعنى" أن"" لو لا) يمتنع جوابها لوجود شرطها كقولك : " لو لا زيد لأتيتك" امتنع الإتيان لمكان زيد. و" لو يمتنع جوابها لامتناع شرطها كقولك : " لو جاءني زيد لأتيتك" امتنع الإتيان لامتناع مجيء زيد. والذي يلي" لو لا" اسم مبتدأ. والذي يلي" لو" فعل وكلاهما لا يعمل فيما بعده. فأما" أنّ" بعد" لو لا" فهي واسمها وخبرها بمنزلة اسم مبتدأ خبره محذوف كما يكون الاسم بعد