لم يعرف الفراء النصف الأول من البيت الأول.
وأما" شد ما أنك ذاهب" و" عز ما أنك ذاهب" فقد جعله سيبويه على وجهين :
أحدهما : أن يكون بمعنى : حقا أنك ذاهب فيكون" شد ما" في تأويل ظرف. وأنك ذاهب مبتدأ كما أن" حقا" مبتدأ في تأويل ظرف و" شد" و" عز" فعلان في الأصل دخلت عليهما" ما" فأبطل عملها. وجعلا في مذهب" حقا". كما دخلت" ما" على" قل" و" رب" فبطل عملها. وخرجا عن مذهب الفعل وحرف الجر.
و" شد ما" و" عز ما" وإن جعلا في موضع" حقا" فلا تدخل عليهما" في" كدخولها على" حقا" لأنهما في الأصل فعلان. كما أن" أن" إذا وقعت بعد" لو" تشبيها" بلولا" لم يجز وقوع الاسم بعدها لوقوعه بعد" لو لا".
والوجه الآخر : أن يكون" شد ما" و" عز ما" فعلين ماضيين. كنعم و" بئس" ووقوع" ما" بعدهما كوقوع" ما" بعد" نعم" و" بئس" كقولك : نعما صنيعك و" بئسما عملك" وتقديره : نعم الصنيع صنيعك و" بئس العمل عملك". وقوله : كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه. دخلت الفاء على" تجاوز" لأنه دعاء. وهو بمنزلة دخول القلب في فعل الأمر إذا تقدم المفعول كقولك : زيدا فاضرب. وإن شئت : زيد اضرب. فإذا قلت : اضرب زيدا لم تكن" فاء" وكذلك تقول : تجاوز الله عنه. و" ما" عند سيبويه لغو. واستدل على أنها لغو بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(١) لأنها لو لم تعمل لغوا لبنيت مع ما بعدها وفتحت. ولم يجز إسقاطها وإن كانت لغوا في عملها. وزيادة فائدة بدخولها : لأنهم أرادوا الفرق بين شبيهين : فإذا ادخلوا ما على حرف التشبيه أرادوا : أن أحد الشيئين وجوده حق كما أن وجود الآخر حق. وأن الشيئين في أنفسهما. كقولك" زيد فاسق كما أن عمر صالح" أردت أن هذا موجود وصحيح كما أن هذا موجود صحيح. وكذلك تقول : البساط تحتنا كما أن السماء فوقنا. أي : هذا حق كما أن هذا حق. وكذلك : الظلال فوقنا كما أن السماء فوقنا. إذا أردت أنهما حقان. وإن أردت تشبيه أحدهما بالأخر قلت : " الظلال فوقنا كما أن
__________________
(١) سورة الذاريات ، الآية : ٢٣.